#تشرين_الطفولة
من أرشيف الكاتب #أحمد_حسن_الزعبي
نشر بتاريخ .. 18 / 10 / 2008
طفولة الشتاء، وكهولة الصيف. .هو تشرين.. فيه يتعالى صوت إغلاق النوافذ الغربية ،وسقوط الأواني المركونة على الجدار، فيه يذوب الطبشور على باب الدار مع زخة ليل عابرة ..
فيه يضجر حبل الغسيل من ضيوفه المبللين ،وفيه يكشف الشجر كل أوراقه دفعة واحدة ..
في تشرين يصبح للسماء مزاجها المختلف ، والغيم الأبيض الهارب من وسادة النهار يرسم أشكالاً تشبه الأحلام على زرقة السماء الغامقة..كان حمام الدار يدور حول نفسه سبع لفات ، عندما كانت تغربل أمي القمح استعداداً للشتاء،كان يهدل، يبرقم ، ثم يسرق عود قشّ بمنقاره ويطير ليصلح عشه في كوّة الطين..دقائق ويعود من جديد، يدور حول نفسه سبع لفات أخرى، ثم يغافلنا ويسرق قشّة أخرى ويطير..لم يكن يعنيه القمح كثيراً بقدر ما كان يعنيه القشّ..لقد أخبرته ساعته البيولوجية باقتراب الشتاء..فلم يعد يفكر برزق يومه..
يقولون أن الشمس لا تغطّى بغربال.. أمي كانت تغطّي الشمس بغربالها ، تمضي ساعات طويلة تجلس في ظل بيتنا القديم ، توجه غربالها نحو الريح. .تصفي القمح من التبن الدقيق والحجارة..تفرغها بكيس آخر ، تجمع الحب الساقط في حضنها أثناء الغربلة ..وتعيده للكيس ..كانت تخجل الشمس من مثابرة أمي، فكانت تتوارى خلف غربالها مثل صبية خجولة أعجبتها أنوثتها..
بعيد المغرب ، ومع تحليق أفواج السنونو الفرحة ، كتلاميذ عائدين من مدرسة مسائية ،كانت تتفقّد أمي خم الجاجات ، تغطي أكياس الاسمنت ،تدخل قرامي الشجر الى بيت الطابون، تلم ملابسنا من على الحبل تجمعها على كتفها واحداً تلو الآخر، تنكت ثوبها وتعود من حوش الدار..
* حتى اللحظة، ما زلت أشتم رائحة تشرين الطفولة، حيث دفاتري المسطّرة ،وصوت اهتزاز لقن الغسيل في الخارج.
والى اللحظة أحتفي بتشرين على طريقتي. .أشق نافذتي قليلاً كل مساء.. فيتسلل نسيم الغروب الى ذاكرتي..أراقب اوكازيون الشجر الهزيل..أراقب حَمَام العمر وهو يدور حول نفسه سبع لفات بينما أغربل الذكريات..فيغافلني و يسرق لحظة من عمري ويطير..تشرين يا طفولة الشتاء وكهولة الصيف..طوّق مسائي..برائحة القمح، وباستدارة غربال الحجة
..ahmedalzoubi@hotmail.com
أحمد حسن الزعبي