مملكة النمل
سهير جرادات
استيقظ أهل الدار على صراخ ينذر بوجود ” #نملة ” في المطبخ ، وهو مؤشر إلى #فساد أجواء المنزل لقلة النظافة؛ مما سمح لانتشار (الفساد والوسخ )، هرع أهل الدار وبدأوا باتخاذ الإجراءات اللازمة لمكافحتها، وتم اتخاذ جميع التدابير اللازمة ، ورغم جدية المكافحة “المزعومة ” إلا أن جحافل #النمل ازدادت اعدادها، وتوسعت رقعة الارض التي تسيطر عليها، لتشمل مختلف ارجاء الدار .
أعلنت حالة #الطوارىء، وتعالت الاصوات المطالبة بالقضاء على انتشار النمل ، واعلن رب الأسرة أكثر ًمن مرة عزمة على مكافحة النمل .. ووصلت الأمور إلى مرحلة متقدمة من المكافحة، وفي اثناء المكافحة تم تهريب بعض “النمل” للخارج على الدرجة الأولى ، فيما تم حجز حرية بعض “النمل ” في فيلا خاصة ، أو في فيلا بنيت خصيصا للنمل الذي حكم عليه بالفساد ، والغريب، وهناك بعض أنواع النمل تم إعلان براءته لعدم كفاية الأدلة بعد أن تم إحضاره من خارج بيت النمل من قبل مختصين في جهاز المكافحة ، وغيره من ” النمل ” #الفاسد ما زال قيد التحقيق ، وهناك ” نمل ” مدلل تم ارساله للخارج لتلقي العلاج من باب الرحمة وحسن الأخلاق .
أصاب أهالي الدار الاستهجان من توسع انتشار النمل الذي امتد إلى جميع ارجاء المنزل وانتشر واستوطن في جميع غرفة، وعندما وصلت خطورته اساسات المنزل ، تأكدوا من أن مكافحته لم تكن على محمل الجد ، فبدأت المشاورات العائلية لمواجهة” قضية النمل ” وتوسعه، إذ بدأ من نملة وحيدة وجدت في المطبخ لتصبح قضية انتشاره في جميع ارجاء المنزل، وليكتشفوا أنهم لا يواجهون نملة ولا مجموعة من النمل ، وانما “مملكة من النمل “.
انصرف أهل الدار للبحث عن الكتب التي توفر معلومات عن النمل ، ليكتشفوا ان هناك “نمل أبيض” يستخدم للكشف عن الذهب ، و” نمل أسود” له علاقة بالسحر …..، حيث يشاع أن “ملكة النمل” تؤمن بالسحر …، و”نمل طيار” يهرب ما يسرقه من بيت النمل إلى الخارج، و”نمل زاخف” يخبىء ما يسرق باستثمارات وغسيل اموال داخل البيت.
في كل ” #مستعمرة نمل” تكون هناك ملكة واحدة (إلا في بعض الحالات تكون هناك أكثر من ملكة)، والملكة هي المسؤولة عن التكاثر( أي عن انتشار الفساد )، وتتصف بالعمر الطويل مما يعزز قدرتها على الاستمرار في الفساد، ولكن لكل حياة نهاية ، والنهاية تكون بالموت الذي سينهي انتشار الفساد ، وبالتالي زوال “مستعمرة الفساد”.
ولمملكة النمل ” #دستور ” يحكمها ، وينظم حياتها الاجتماعية في المستعمرة ، ويضمن لجميع أفرادها المساواة في الحقوق ولا يميز نملة عن أخرى ، ويتم تعديله كلما احتاجت “ملكة النمل ” مزيدا من القوة، وتنويعا لاساليب الفساد .
ومن شدة قلق أهل الدار من انتشار النمل بينهم، أصبحوا حتى في منامهم يحلمون بالنمل ، لذا بداوا بالاهتمام بكتب تفسير الاحلام لمعرفة تفسير رؤية النمل في المنام ، الذي يشير إلى أن أهل الدار سوف يصيبهم الجوع و الفقر.
من المعروف أن “النمل الأسود “يعيش في جحور خاصة به ، بعد أن يحفر أنفاقا تحت الأرض ليبني بيوته ، التي تعرف باسم “المستعمرات ” ، وهو مختلف تماما عن “النمل البشري ” الذي لا يعيش في الجحور ، بل يعتلى المناصب .
إن أحداث قصة النملة المنتشرة في المنزل ، تشبه تماما حال #مكافحة #الفساد في بلدنا ، نعرف الفساد ونشاهده ونرصده ونضبطه بالجرم المشهود ولا نقضي عليه ولا نتمكن منه ، وبالعكس نقوم بتسهيل مهمة هربه للخارج ، أو أن يتوارى عن الأنظار ، أو لا نقيد حركته ويبقى يسرح ويمرح في البلاد وبين العباد تحت الحماية، أو أن نأسر حريته مؤقتا في سجن خمس نجوم ، أو أن نتأخر في محاسبته لمدة عشر سنوات ..
في النهاية ، نكتشف أن لدينا نملا يتفنن في افساد حياتنا، لكن لا توجد مكافحة له!!!
Jaradat63@yahoo.com