
كتب .. خالد سامح
أتحفنا الكاتب الساخر #يوسف_غيشان – وهو من القلائل الذين يقدرون قيمة #الأدب_الساخر في الأردن و”يقترفونه” بجرأة- بإصداره الجديد ” #ملحمة_عالهامش ” ( الدار الأهلية للنشر والتوزيع في عمّان)، والذي يأتي ضمن سلسلة من تلك الإصدارات التي قدمها غيشان خلال سنوات انشغاله في الكتابة الأدبية والصحفية منذ مطلع الثمانينيات وفيها تناص ظريف مع عناوين لكتب أو أعمال فنية تاريخية جادة ( ملحمة جلجامش هذه المرة)، وتلاعب مقصود بالمسميات والمفردات المألوفة، ومن تلك الأعمال ” أولاد جارتنا..الأعمال الهاملة” و”هكذا تكلم هردبشت” و” مواسم التزحلق على الجليد”، و(عناوين أخرى ربما من المتعذر ذكرها في هذا المقال!).
و”ملحمة عالهامش” كتاب يمزج ما بين الرواية – أو متوالية قصصية كما يقول الكاتب نفسه- والسيرة الذاتية، فغيشان هنا يستحضر ذكريات من طفولته ومواقف وأحداث تفيض بكل ما يثير الضحك ، وكل ما اتسعت له ذاكرته الشخصية عن مرابع الطفولة والصبا في مادبا حين كانت مجرد بلدة صغيرة، الوجوه والأصوات والحكايا وملامح الحياة اليومية بما فيها من بؤس وشقاء، سرد بلغة أدبية رشيقة وموحية لقصص العائلة والجيران والأصدقاء وشخصيات ساذجه وبسيطة مختارة من أهل البلدة…نماذج بشرية ثرية ومثيرة، يستخرجها المؤلف من عمق الذاكرة لينقل لنا على الورق مشاهد وصور نابضة بالحياة والحكمة وباعثةً على ضحك لذيذ متواصل على امتداد مساحة الكتاب، لكنه ليس ذاك النوع من الضحك المجاني المعتاد، إنه الضحك الذي لا يقل أهمية عن الرؤية…الرؤية العميقة للإنسان بكل ما يحمل من مشاعر وأحاسيس وهموم وأحلام.
إضافةً إلى ما سبق فإن “ملحمة عالهامش” ترصد مرحلة تاريخية مهمة من عمر البلاد، ساهمت في تشكيل وعي غيشان وأبناء جيله، حيث عقدي الستينيات والسبعينيات من القرن الماشي، وما شهدته تلك الفترة من أحداث كبرى انعكست على حياة الأردنيين، وأبرزها نكسة العام 1967 وتجدد رحلة اللجوء الفلسطيني التي انطلقت مع النكبة عام 1948، ونشاط اليسار الأردني في تلك الفترة، والتحولات السياسية العديدة التي تباينت المواقف الشعبية منها، وغيرها من معطيات ذاك العهد، يتناولها السارد – وهو غيشان نفسه كما يصرح بأكثر من موقع- بكل “خفة دم” ولغة مباشرة حيناً ومراوغة في أحيان أخرى.
إن “ملحمة عالهامش” عمل أدبي راقي لا يرمي إلى الإضحاك والممازحة السطحية والعابرة، إنها سردية تحمل حكمة عميقة، يكثفها غيشان بلغة آسرة في الصفحات الأخيرة منها، حيث يرد:
لم أخترع بطلاً وهمياً، وأنا لست بطلاً، بل مجرد طفل معتزل وخجول كثيراً، لذلك أبطال هذه المتوالية القصصية، هم الناس الذين مروا في شريط الذكريات، الذي لم يتشوه كثيراً، متمنياً أن تدب الحياة في حكاياتهم كلما قرأها أحد ما…المستقبل سيأتي سريعاً، سيكون حاضراً لثوان ثم يتحول إلى ماض، وربما يكون الماضي والمستقبل مجرد وهم نعيشه.
شكراً صديقي الغالي يوسف، لأنك أهديتنا مع “ملحمة عالهامش” باقة من الضحكات والتأملات في آن، وفي تلك “المرحلة التاريخية الحرجة” أرجوك أن تستمر في السخرية…إنها ملاذ وسلاح المثقف الحقيقي بعكس ما يتوهم الكثيرون.




