ملامح المشروع الاستعماري بدت اكثر وضوحا

ملامح المشروع الاستعماري بدت اكثر وضوحا

علي السنيد
ان المتتبع لمؤشرات السنوات الاخيرة يرى بوضوح كيف تم توجيه الاحداث الجارية في المنطقة العربية والتي انطلقت بسمة عفوية باسم الديموقراطية فتدخلت على خطها القوى الخارجية ودفعتها الى غايات تدمير النظام العربي القائم، وافشال دول المنظومة العربية، وخاصة تلك الدول التي استقر في بنيانها الفكر القومي، بحيث يصار الى اسقاط الدولة نفسها ، وليس نظامها السياسي، وكذلك لضرب الجيوش الرئيسية من خلال ايجاد نزاع مسلح فيها وصولا الى تحطيم الدول ومؤسساتها السيادية وضرب الوحدة الترابية لها، واشغال كل دولة عربية باوضاعها الداخلية بحيث تسود احوال الفوضى والاضطرابات والاقتتال الداخلي، وقد تم دعم طرفي النزاع بالسلاح لغاية تقويض اركان الدول وخاصة الجمهوريات العربية التي جرى اسقاط انظمة بعضها السياسية، والسماح بنشوء خيار سياسي اقرب الى دائرة الهيمنة الامريكية، وفي نمط اخر اكثر خطورة جرى نسف كيان الدولة من خلال تأجيج الصراع الدائر فيها ، وتعميق انقساماتها ، ودفعها نحو الاستنزاف، وبما يحاكي التجربة العراقية المؤلمة.

وفي الممالك العربية تم زعزعة واضعاف الدولة الاقرب منها الى فلسطين ، وهي الاردن ومنع المساعدات عنها لتكون غير قادرة على رفض واقع سياسي كان يخطط لفرضه عليها. وبقية الممالك الخليجية كانت عملية افلاتها من الاتهام بتوليد الارهاب الدولي وضمان استمرار وتواصل انظمتها السياسية ثمنا كافيا للاذعان للرؤية الامريكية.

وبالمجمل تم افشال مفهوم الامة العربية، وكشفت القضية الفلسطينية من بعدها العربي والاسلامي ليصار الى فرض التسوية التاريخية عليها وفق النظرة الاسرائيلية. وبحال تكون فيه الامة العربية غائبة، ودولها ممزقة، وجيوشها الرئيسية مشغولة بالنزاعات الداخلية، وكانت القدس تحديدا في عين العاصفة استغلالا للفرصة الذهبية التاريخية السانحة للصهاينة.

ولعزل القضية الفلسطينية عن بعدها الاسلامي يصار الى تحويل وجهة الصراع التاريخي الدائر في المنطقة العربية من صراع (اسلامي – صهيوني) الى صراع (اسلامي- اسلامي) اي (سني – شيعي) واخراج الصهاينة من دائرة هذا الصراع. ويتم ايجاد عدو مذهبي كبديل عن العدو الاسرائيلي، وبالتالي تتراجع اهمية القضية الفلسطينية ، ويصبح الخطر المذهبي هو الاول، وهكذا غدت المواجهة مع ايران مقدمة على العداء مع الصهاينة بفعل هذا المخطط اللئيم. ورأينا كيف تم قلب الواقع العربي باتجاه هذا الهدف وفي غضون سنوات تماهت المنطقة بشعوبها معه. ولا شك ان اخطاءا ارتكبت من الدول الاقليمية ساعدت على نفاذ المخطط.

ومن الادوات التي جرى تكوينها لبلورة حدة الصراع المذهبي كان يتمثل في ولادة التنظيم المتطرف الذي اطلق عليه اسم داعش ليعمل باسم السنة، واتخذ العنوان الاسلامي وسيلة له، وهدف في حقيقته الى تدمير حلم المشروع الاسلامي بصناعة واقع مرير باسم الاسلام يعتبر منفرا على مستوى العالم، وهو ما كان ينطوي على محاولات اسقاط الحلم الاسلامي المتمثل بالخلافة. وكان هذا التنظيم معولا من معاول هدم الدول العربية المستهدفة والى ان انتهى دوره امريكيا فتم اخراجه من معادلة المنطقة السياسية وذهب كفرق عمله ، وتلاشى على هامش احداثها الجسام.

وبذلك ساد الغموض والبلبلة في الرأي العام العربي وما وقع على الارض عمليا في غضون السنوات الخمس الاخيرة هو ان تداخلت الاحداث، وفقدت البوصلة ، وانكرت الدول بعضها البعض، وخان الحليف حليفه، وتم الوثوق بالاجنبي والمحتل، وبنيت التحالفات على غير اسس علمية وبفهم مشترك للتحديات، وجرى القفز عن حقائق الصراع التاريخية ليكتشف البعض العربي انه كان يسير مع عدوه ضد نفسه ومصالحه، وانه كان يشنق نفسه، ويقاتل اخوانه بلا ادراك لحقيقة المعركة التي صنعت في هذه المنطقة ووجهت لتدمير دولها .

وكان تسعير حدة الخلاف المذهبي بين السنة والشيعة هدفا استعماريا بامتياز الى حد صنع المواجهة العسكرية على هذا الاساس ان امكن، وايجاد معسكرين متناقضين في المنطقة كبديل للتناقض التاريخي بين العرب والصهاينة. وهذه كانت المقدمات لقرار ترامب فيما يخص القدس الشريف، والتي تقع في مركز الصراع العالمي ، وتحرك وجدان العالم الاسلامي بساعات، وهذا الذي فشل في فهمه الامريكان .

وفي ظل هذا الواقع المأزوم وقد وصلت المنطقة العربية الى قمة تناقضاتها وتمزقها اتخذ ترامب قراره القذر بالاعتراف بالقدس عاصمة للصهاينة وذلك لقطف ثمار المرحلة التي صنعتها هذه الدولة، والتي بدأت منذ عقود مشروعها الاستعماري البغض على حساب العرب وتمثل اولا بتدمير العراق ، ومضى الى المس بدولهم ومقدراتهم ومقدساتهم للاسف.

جزء من هذا المشروع المتعلق بالقدس تم التصدي له في الاطار الاسلامي، ووجد الاردن والفلسطينيون مساندة لدى العالم الاسلامي مع تراجع الوضع العربي ، ولكننا اليوم في بداية مشروع امريكا الاستعماري ان لم نتنبه الى خطورة ما يجري ونعيد بناء منظومة العمل العربي المشترك للوقوف في وجه التحديات.

وانا اعتقد ان انفصال الامة العربية عن حاضنة الخلافة العثمانية في حينه كان له مردود سلبي كبير على العرب حيث سقطت مجمل هذه الدول تحت الاستعمار، وفقدت الامة ارادتها وما تزال ضائعة الى اليوم ومهددة بالمشاريع الاستعمارية المتواصلة وخسرت اقدس مقدساتها وعلينا ان نعيد تصويب البوصلة فتركيا اليوم تشرع في اعادة بناء الحلم الاسلامي وقد يكون اردوغان يأتي في الاهمية بعد السلطان عبدالحميد ، ويمكن اعادة بناء التحالفات على اساس المشاركة في النهضة الاسلامية التركية، ويمكن لنا ان نكون جزءا منها وخاصة نحن في الاردن، وهذا هو المستقبل الاكثر امانا فيما يبدو .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى