نحو صفقة وطنية مع الفاسدين / بشار غنام

نحو صفقة وطنية مع الفاسدين .. يفوز فيها الجميع !
هذه الرسالة هي بالأساس لأعزائنا الفاسدين الكبار .. ومن بعدهم الصغار .. الذين نعرفهم جيدا .
أمام احتمال الانفجار القادم ،دعونا يا سادة .. نفكر كـ ” جنتلمِن ” محترمين ، بعيدا عن العواطف الشعبوية ، وانفعالات البسطاء و فرقعاتهم !
نعلم – أعزاءنا الفاسدين – أن الفساد جزء من كيمياء العالم ولا حياة بدونه لكن للأسف هذا مالا يفهمه البسطاء ،وربما علينا أن نستمع لهم أحياناً !

ما الذي يفعله الفساد بأي بلد حين لا يتم ضبط إيقاعه ؟
على خلفية سوء الخدمات أو ارتفاعات الأسعار و بعد محاولات طويلة وصبورة من الشعب للتحمل فإن بؤرا للتوتر ستنفجر بين الناس من مختلف الخلفيات والطبقات… و عندها تدخل البلد في صراعات طاحنة توقف عجلة الاقتصاد ، يصبح بعدها الحصول على الحد الأدنى من الحقوق الإنسانية من صحة ونظافة عامة وحتى أمن … يصبح كل ذلك جزءا من التاريخ ، لأنه عندما يتصاعد الفساد بشكل غير مدروس سيصبح كل موظف في الدولة يفكر كيف ينضم للمنظومة المحترمة ( أي الفاسدة ) لا كيف يؤدي المتطلبات المنصوص عليهالوظيفته – وخصوصاً مع الإضعاف المتسارع لمنظومة القيم .

يجب أن يفعل كل منا شيئا لإيقاف كرة الفساد المتدحرجة –أقصد تخفيف سرعتها .. حتى نكون واقعيين !وإليكم ما يستطيع كل طرف أن يفعله :
عزيزتي الحكومة ، إنها بلدك ! وبدونها لن يكون اسمك حكومة !و يجدر بك – من باب البراغماتية على الاقل- ألا تسمحي بانهيار شعبها ، كي تستمري بالحصول على كل امتيازاتك – قبل أي شيء !
عزيزتي الأجهزة “السيادية” ، نتفهم ان أن المهمات الملقاة على عاتقك هائلة ، و أن واجباتك معقدة خاصة في الفترة الاخيرة فهناك تهديدات خارجية عديدة ، وأخرى داخلية من المعارضين الأشرار ، لكن عليك ألا تنسي أن أحد واجباتك الدستورية هو مكافحة الفساد ، وكي أكون ناصحاً أميناً.. عليك أن تبذلي جهداً أكثر هنا ! فلكي تبرري ميزانياتك الهائلة عليك على الأقل أن تقنعي الشعب أنك جزء من الحل لا جزء من المشكلة فيما يتعلقبمنظومة التبذير والفساد .نعلم أنك لست مضطرة لتبرير أي شيء للشعب ، لكننا نخاطب فيك تواضعك هذه المرة وحسك المرهف تجاه انفجار قادم.
أعزائي الفاسدينالكبار .. أعلم أن الفاسدين الصغار هم جزء من أقاربكم أو أصدقائكم أو شبكة مصالحكم ، و أنه سيزعجكمايقاف فسادهم ، لكن ذلك ضروري لمصلحتهم ومصلحتكم .. أقنعوا فراخكم هؤلاء أن الأمر بحاجة لتضحيات أحيانا .. وأنه لا بأس أن يقبل بعضهم – القليل جدا – بالتوقيف والمحاكمات (الصورية غالباً)، وأن يقبل الباقون بتقليل حجم ملايينهم التي سيستمرون بجنيها .. سيكون ذلك لفترة مؤقتة غالبا لكنها ضرورية . تذكروا أعزائي الفاسدين الكبار أنكم العرابون هنا .. و أن هذه المرحلة تحتاج حكمتكم ؛ الحكمة التي بسببها أخذتم مكانتكم! وعليكم أن تحموا هذه المزرعة من الانهيار كي يتسنى لكم جميعاً الاستمرار في نمط حياتكم !
أما أنتم أعزائي الفاسدين الصغار .. يا من ستتلقون سهام الغوغاء بصدوركم العامرة بالأسرار.. فالفائدة التي ستنالونها هي حمايتكم من شرور أنفسكم وإنقاذكم من لعنة الشعب ومن عذاب الضمير ومن سؤال الآخرة. هل هذا جيد كفاية ؟!حسنا .. لا عليكم ، كنت أمزح معكم فقط ! أعلم أن هذه المعاني لا تعني لمعظمكم شيئاً ! ما ستستفيدونه حقيقةً هو إدامة المعادلة قائمة ومنعها من الانهيار ،وذلك عبر إبقاء البقرة التي تحلبونها على قيد الحياة و إعطاءها مهلة تستعيد فيه أنفاسها لتعاودوا فيما بعد مص دمها … لكن حاولوا في المرات القادمة أن تكونوا أذكى قليلا!
أعزائي الفاسدين الكبار .. تذكروا أنه لو حصل الانهيار فلن يستطيع أحدكمحينها حتى أن يتمشى ليلاًمعكلبه في الحديقةالمجاورة!تخيل!و ذلك لأن الخطر سيزداد أكثر وأكثر كلما زاد جوع الجوعى .تخيل ان تبقى كلابك سجينة بين الجدران الأربعة للقصروكل ما تستطيع فعله هو متابعة برامج تلفزيونية لا تشبهنا وتناول طعامها المستورد مرارا وتكرارا !
وحتى الخواجات الذين تضع أموالك في بنوكهم و أرسلت حقيبة ملابسكمسبقاً إليهم تحسباً للحظة الانفجار والهروب .. تذكر أنهم لن يحترموك لمجرد أن لديك فقط حقيبة مليئة بالأموال …
أنت ذكي وتعرف أن رجلا هرب من وطنه بعد تدميره لا يحظى إلا بالازدراء وسيُعامل كموبوء هرِم .. وسيتهرب منه رجال الدولة المضيفة الذين كانوا ينادمونه ويتوددون له .. ولن يجد أكثر من ضابط أمن صغير يتواصل معه متبرماًويحرص فقط على التأكد أن إقامة الضيف الجديد مضبوطة و غير مزعجة .
عليك أن تحب ضحيتك ! حاول أن تحب وطنك قليلاً .. اشرب دمه ..لكن اسمح له بالبقاء على قيد الحياة .

عزيزي الشعب.. لا بأس بمعركةمتدرجة ومتصاعدةلكشف الفساد ومحاصرته و تجفيف منابعه .. تبني من خلالها ثقافة موحدة وتصنع إجماعاً جديداً ؛ذلك سيعطيك شيئا من الكرامة وشيئا من الخبز لاحقا .. وهي الوسيلة الوحيدة حاليا لإثبات أنك ما زلت على قيد الحياة .. ولإثبات أنك تستحق وطنك !
إنها وصفة مؤقتة لكنها جيدة ، وتصلح لتخفيف آلام معظم دول العالم العربي وربما العالم الثالث أيضا. وفائدتها الاستراتيجية أنها تعطي الشعب تمرينا معقولا – وبالذخيرة الحية – لخوض معارك أكبر لاحقا وبحكمة و نضج وتسامح ضروري، و من ناحية أخرى فإن هذه الصفقة تمنع انهيار المنظومات البائسة القائمة حالياً فيما الشعوب ليست مستعدة – ذاتياً و موضوعياً –لإعادة البناء فيما لو حدث الانهيار …
لعلها صفقة عادلة مؤقتاً.. يفوز فيها الجميع .. و تستحق المحاولة.

مقالات ذات صلة

اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى