مقتل ابو بكر البغدادي هل سيعني نهاية الدولة او التنظيم؟

مقتل ابو بكر البغدادي هل سيعني نهاية الدولة او التنظيم؟

محمد مكاحلة

بداية الجواب وببساطة لا
بشكل عام دولة الخلافة المزعومة توشك على الانتهاء على الارض الا انها ستبقى حية في نفوس وعقول وقلوب اتباعها الحاليين سواء المنخرطين في العمل العسكري او الاداري من منطلق عقائدي او من سيؤمنون بها مستقبلا نتيجة عدم تغير الظروف السياسية والاقتصادية والفكرية التي اوجبت ظهورها وتوسعها العجائبي الذي صدم حتى اكثر المحللين تشاؤما وهي الظروف التي لم يلتفت احد الى معالجتها حتى الان

اما التنظيم فان احتمال انتفاء وجوده بشكل تام امر لا يرى في الافق القريب فالارض لن تنشق لتبتلع الالاف من عناصر التنظيم وقياداته العربية والاجنبية
ورغم ان التنظيم يعاني فعلا حاله من الضعف والتقهقر الا ان مقتل البغدادي سيشكل ضربة قوية لمعنويات عناصر التنظيم واتباعه الا انه لن يشكل عاملا من عوامل نهايته ذلك ان الجماعات الجهادية على مستوى العالم تتميز بالتنظيم الهرمي والافقي الدقيق والمرن وبالبراغماتية والمرونة على جميع المستويات وبالطاعة العمياء والمباشرة سواء على مستوى العمل الجماعي او الفردي لذا فان عملية استبدال قيادات الصف الاول ستكون سريعة وسلسة
امر رأيناه سابقا في تنظيم القاعدة بعد مقتل زعيمه اسامة بن لادن وفي حركة طالبان في افغانستان بعد مقتل الملا عمر ومن تبعه والامثلة تتكر مع مع الجماعات الجهادية في القرن الافريقي وفي دول شمال افريقيا ودول جنوب الصحراء فمقتل القادة قد يعني توجيه ضرة للروح المعنوية لعناصرها ونوعا من الضعف الاني ربما الا انه لم يعني وضح حد نهائي لها

من ناحية اخرى وفي حالة تنظيم الدولة او داعش فان الامور قد تأتي بنتائج معاكسة تماما فالتنظيم منذ بدايته شكل حاله خاصة
فالناظر الى تاريخ التنظيم سيجد ان مقتل القادة لطالما عنى العودة بمقوة اكبر وبشكل اعنف وبمسميات اشد وقعا وتأثيرا وجذبا فالتنظيم الام الذي اسسه ابو مصعب الزرقاوي بعد الغزو الامريكي للعراق الذي عرف بداية باسم جماعة التوحيد والجهاد ثم باسم تنظيم قاعدة الجهاد في بلاد الراففدين بعد مبايعة ابو مصعب وجماعته لاسامة بن لادن وتنظيم القاعدة لم ينتهي بمقتل الزرقاوي بعملية عسكرية واستخباراتية امريكية اقليمية بل عاد بشكل اقوى بقيادة ابو عمر البغدادي الذي تولى قيادة التنظيم بعد مقتل الزرقاوي واعاد تشكيله ليعود بشكل اقوى بعد انضمام تنظيمات مجلس شورى المجاهدين في تنظيم واحد وتشكيل ما كان يعرف بدولة العراق الاسلامية ومبايعة ابو عمر بالامارة
وبعد مقتل ابو عمر البغدادي ايضا بعملية امريكية بويع ابو بكر البغدادي الزعيم الحالي للتنظيم كامير لدولة العراق الاسلامية ورغم تكرار تصريحات الحكومات العراقية والامريكية بان عمليات قتل قادة التنظيم المتتالية بداية من الزرقاوي ستشكل نهاية للتنظيم الا اننا نعود لنرى عودة جديدة وبشكل اقوى للتنظيم بعد تولي ابو بكر قيادته بحيث ان التنظيم في كل مرحله لم يكن يخسر مكاسبه بل يعود ليضيف اليها مكاسب جديدة
بل ان حدود سيطرة التنظيم تجاوزت حدود العراق هذه المره بعد اعلان الوحدة بين تنظيم دولة العراق الاسلامية – الذي كان مبايعا لتنظيم القاعدة حتى ذلك الوقت – وبين تنظيم نصرة اهل الشام ( جبهة النصرة ) التابعين لتنظيم القاعدة عام 2013 ليبدأ تمدد التنظيم الذي اخذ دفعة معنوية ومادية اكبر بدخول قوات التنظيم مدينة الموصل ومن ثم اعلان دولة الخلافة عام 2014

اضافة الى شذوذ التنظيم عن حالة الضعف المرحلية التي انطبقت تقريبا على كل الحركات الجهادية بعد مقتل قادتها فان التنظيم يشكل حاله خاصة في وضعه الراهن
وبعد استبعاد احتمال حدوث اي صراع داخلي على تولي زعامة التنظيم في حال مقتل البغدادي بسبب حالة التراجع التي يعيشها التنظيم وما يتمتع به التنظيم من مرونة وتراتب قيادي دقيق وتماسك داخلي يعود لاسباب عقائدية وفكرية قد تشذ عنها بعض الحالات الفردية
فالخيار الوحيد لقيادات التنظيم وعناصره لن يكون الا البقاء والقتال حتى الرمق الاخير وهو الامر الذي يملك التنظيم القدرات المادية والاسباب المعنوية لتحقيقه لاسباب عديدة منها
1- صعوبة ذوبان قيادات وعناصر التنظيم وعائلاتهم في المجتمعات المحيطه لسهولة التعرف عليهم خاصة القيادات والعناصر الاجنبية التي جائت من اوروبا وامريكا وروسيا ووسط وجنوب شرق اسيا اما بالنسبة لقياداته وعناصره العربية فان الكثير منهم بات معروفا في مناطق سيطرة التنظيم سواء في العراق او في سوريا اضافة الى امكانية تخلي الحواضن الاجتماعية عنهم خوفا من عمليات الانتقام وللتخلص من تهمة الانتماء او مساعدة تنظيم داعش خاصه وان الكثير منهم بات معروفا ومطلوبا لاجهزة الامن والاستخبارات الدولية والاقليمية
2- عدم توفر منفذ امن او خيار اقليمي او دولي للفرار ففي جميع الدول التي ظهرت الحركات الجهادية على اراضيها سواء بشكل عسكري او فكري ومع محاربة الانظمة والدول لوجود هذه التنظيمات عسكريا او امنيا بالاعتقال والسجن قلطالمات وفرت هذه الانظمة والدول منفذا لمغادرة عناصر هذه الجماعات وقياداتها الى دول او مناطق صراع اخرى لتسهيل القضاء عليها وقد تكررت هذه الحاله مع اغلب هذه الجماعات بحيث تنقلت قياداتها وعناصرها من دولة الى اخرى ومن منطقة صراع الى اخرى بسكوت وبرضى ضمني وعلى مرأى من اجهزة الاستخبارات الدولية والاقليمية
اما في حالة التنظيم فان الامر قد يكون شبه مستحيل لوجود اجماع واصرار اقليمي ودولي على انهاء المثال الذي شكله التنظيم وبشكل نهائي بخيث لا يتكرر مرة اخرى
كما ان التنظيم لم يترك بسياساته العسكرية وفتاويه التكفيرية اي حليف قد يقبل بمعاونته حتى ان تنظيم جبهة فتح الشام ( النصرة ) بدأ منذ ايام بحملة امنية لاجتثاث اتباع داعش والمتعاطفين معه تمهيدا للمرحلة القادمة التي سيشهدها الصراع في سوريا بقطع الصلات بشكل نهائي بكل ما قد يربط الجبهة بالتنظيم
قد نجد من يقول بامكانية فرار او تهريب قيادات وعناصر التنظيم الى مناطق اخرى ما زال التنظيم يتمتع فيها بحضور قوي كليبيا او افغانستان او دول جنوب الصحراء لكن هذا الامر يعاني شبه استحالة الحدوث امام الحصار الذي تشهده المنطقة عسكريا واستخبارتيا الا لعدد محدود ربما بما يخدم بعض الجهات الاقليمية او الدولية او المخابراتية
اضافة الى ما يتمتع به العراق وسوريا من رمزية وابعاد وعمق ديني وتنظيري ومعنوي
3- الايمان العقدي بحلم استمرار دولة الخلافة وعودتها وهو امر سيشجع الكثير من القيادات والعناصر الى الاستمرار والقتال حتى في غياب ابو بكر البغدادي

ولا بد ان نعي هنا حجم الاختراق المخابراتي الكبير الذي يعانيه التنظيم لمن قبل اجهزة استخبارات دولية وعربية وعلى رأسها الامريكية والبريطانية وحتى الصهيونية
هذا الاختراق قد يساهم في استمرارية وجود التنظيم بل وربما اعطائه دفعات قوة لخدمة مصالح القوى الاقليمية والدولية السياسية والاقتصادية وربما الفكرية والتطبيعية

على الاغلب فان الخيار الوحيد للتنظيم سيكون الاستمرار ومحاولة الحفاظ على الوجود وليس من سبيل لتحقيق ذلك انسب للتنظيم – خاصة بعد انتهاء معركة الرقة التي قد تكون قريبة – من الانكفاء الى الصحراء الواسعة الممتدة بين العراق وسوريا والعودة االى تطبيق حرب عصابات تقوم على مبدئي الصدمة والرعب
وقد تخدم فرص استمرارية وجود التنظيم واستمراريته سواء بمقتل البغدادي ام ببقائه العديد من الاسباب والعوامل السياسية والعسكرية والاقتصادية والفكرية والاستخباراتية في لعبة الصراع الاقليمي الدولي على المنطقة
خاصة وان الاسباب التي اوجبت ظهور التنظيم وتمدده السريع لم تعالج الا بشكل سطحي ان كان هناك محاولات لمعالجتها ولا يبدو انها ستعالج بشكل جدي على المدى القريب وبذلك ستكون الاجابة البسيطة والمنطقية .. لا

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى