مقبرة الأرواح

مقبرة الأرواح / يوسف غيشان

أما قبل

فإن كل كتاب – حتى لو كان علميا – يأخذ من قلب وروح الكاتب، أكثر من جلده. إنه يسطو على روحه ووجدانه وبعض ما فيه من ذكريات خاصة وخصوصية، مهما كانت درجة علمانية الكتاب، فلا يمكن ان أقرأ نظرية نيوتن مثلا، دون أن أحس بروحه المعذبة القائمة على التنافس الدائم والقلق والتوجس والكثير من العقد النفسية التي تجمعت لتخلق لنا عالما ورياضيا وفيلسوفا كان صدور كتابه حول الجاذبية بداية للنهضة العلمية الحديثة.

ولا يمكن الا أن اقشعر بردا وعريا وأنا اقفز مثل أرخميدس من برميل الماء …. أصرخ في الناس (يوريكا…. يوريكا) وتعني (وجدتها… وجدتها)، حينما اكتشف بعد أن نزل في برميل الماء الممتلئ، ان الماء المندلق من البرميل يعادل وزن حجمه، فخرج بنظريته الشهيرة:(كل جسم مغمور في سائل يخسر من وزنه بقدر وزن حجمه من ذلك السائل) …. اشعر بالعري وبالبرد، لكني سأتدفأ بوهج الانتصار الكبير مع أرخميدس.

مقالات ذات صلة

هكذا اتفاعل عندما اقراء رواية «الجريمة والعقاب» والإخوة كرمازوف و» السفينة البيضاء…. وتطير الفراشات حولي مثل عمّة غابرييل غارسيا ماركيز في روايته العظيمة:(مائة عام من العزلة).

عندما قرأت مذكرات غابرييل ماركيز:(عشت لأروي)، ومذكرات نيكوس كازنتزاكيوس: (الطريق الى غريكو)، أدركت ان الروائي، وأي كاتب كبير مهما كان نوع الكتاب ومضمونه، يضع جزءا من روحه في كتبه.

لا اعرف تحديدا ماذا سأترك للناس، من أشلاء روحي، في كتبي البائسة، لكني أدرك تماما ان كتبي هي أنا …. بكل نجاحاتها وفشلها. بكل فوضويتها وجنونها …انه لعبة الاحتيال على الفقر…. لتبقى رجلا حرا (قدر الإمكان) يحافظ على كرامته حتى الرمق الأخير.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى