مقاومة العدو في فكر وصفي التل
موسى العدوان
وحيث أننا نعيش أجواء #المقاومة هذه الأيام، في القدس وغزة وفي كل أرجاء #فلسطين، فحري بنا أن نعود إلى #التاريخ، لنعرف ما كان يختمر في عقل أحد السياسيين العسكريين، وهو الشهيد وصفي التل رحمة الله عليه، عن الأسلوب الأفضل لمواجهة #العدو بالمقاومة، بدلا من الجيوش التقليدية، والتي بدت نتائجها واضحة للعيان في هذه الأيام. ففي كتاب بعنوان ” وصفي التل بين الماضي والحاضر ” للكاتب ممدوح حوامده والذي صدر في أواخر 1971، وردت القصة التالية وأقتبس :
” بعد هزيمة حزيران 1967 بخمسة أيام، كنت أتحاور مع وصفي التل حول ما يخبئه المستقبل للأمة العربية ؟ كانت الهزيمة صاعقة وقاسية ومذهلة، حتى أنها حطمت ليس المعنويات فحسب، بل والقدرة على التفكير. كان وصفي التل يومها رئيسا للديوان الملكي، وكان المرحوم الرئيس جمال عبد الناصر، يعلن استقالته وتخليه عن المسؤولية في ذلك الحين، ليترك لغيره قيادة المسيرة المجهولة للمستقبل الكالح . .
كان الجميع في حالة استسلام، وهمسات الصلح والحلول السلمية، بدأت تتحول إلى حديث بدون حرج. فسألته رأيه في الحل الذي يمكن أن يحفظ للأمة العربية ماء وجهها وكرامتها ؟ وذُهلت وأنا استمع للجواب. كان في ذلك الوقت وفي تلك اللحظات جوابا نشازا . . قال بإصرار وحزم وهو مقطّب الجبين : ” لا حل ولا كرامة إلاّ بالقتال”.
وعجبت من أمره . . فقبل #الهزيمة كانت تتعالى كل الأصوات في مختلف أنحاء العالم العربي، من المحيط حتى الخليج، جميعها تنادي بالحرب ومقاتلة إسرائيل، إلاّ وصفي التل الذي كنت اسمعه يعارض الفكرة، ويقول : هذا ليس هو الزمان الذي نستطيع فيه محاربة إسرائيل . .
وعندما سمع وصفي التل تعجبي وتساؤلي قال : عندما كنت أرفض مقاتلة إسرائيل ، كنت أرفض ذلك بشعور مسؤول . . كانت بين يدي كما كانت بين أيدي معظم المسؤولين العرب، الحقائق والأرقام التي تؤكد أن أية معركة في ذلك الحين، ستكون لمصلحة #إسرائيل . . أما اليوم فإنني أتحدث بشعور المواطن . . بشعور المناضل . . إنني لن أصدّق أن إسرائيل ستقبل التنازل عن شبر من الأرض، إلاّ ويكون ثمنه أمجادنا وكرامتنا وتاريخنا وحياتنا . .
وإنني لا أقول اليوم بقتال الجيوش . . إنني أقول بقتال لا يمكّن إسرائيل من قطف ثمار عدوانها واحتلالها . . إنني على استعداد أن أقوم بتشكيل فِرق من المقاتلين لا يزيدون عن المائتين، وأعبر على رأسهم النهر، وأتمركز في منطقة جنين والحولة وطبريا، تلك المناطق التي سبق أن قاتلت فيها عام 1948، وإني على قناعة أنني بالتعاون مع فرق أخرى في بقية المناطق، سنعيد ما فقدته الجيوش العربية . . !
وبعد شهرين أو أكثر بقليل، بدأ العالم يسمع بالعمل الفدائي، وبدأت العمليات في المناطق المحتلة تطغى على أخبار العالم، بل كادت تتحول قضية العمل الفدائي إلى أبرز أحداث العالم، بما في ذلك القتال في فيتنام وكمبوديا ولاوس . . وفعلا أخذت الأحاديث عن الصلح والحل السلمي تتلاشى إلى همسات، بل تلاشت بتاتا مع تصاعد العمل الفدائي. ولكن ماذا حدث للعمل الفدائي ؟
لقد بدأت الخلافات بين المنظمات تظهر أمام الرأي العام، بسبب تعدد المنظمات، بل أن هذه #الخلافات تجاوزت الرأي العام المحلي إلى العربي بل والعالمي. وهنا أخذ الأردن يخشى من تسرب الأعداء إلى صفوف العمل الفدائي لعدة أهداف، أهمها ضرب العمل الفدائي أولا، ومن ثم للقضاء على النظام الأردني.
ولأن وصفي التل كما تعوّد دائما لا يحدد مواقفه نتيجة الحدس، بل مستندا إلى الوقائع والتحليل العلمي والمنطقي، فقد أعدّ في ذلك الحين وبالتحديد في شهر آب 1968، تحليلا ودراسة للمنطقة وأسلوبا مناسبا لمعركة التحرير”. انتهى الاقتباس.
* * *
التعليق : هكذا كان #وصفي التل رجل الدولة، منشغلا بالتخطيط لتحرير فلسطين وليس بمصالحه الخاصة، فدفع حياته ظلما ثمنا لنواياه، التي كانت تهدف لتحرير فلسطين وحماية الأردن. إنه وصفي التل السياسي الوطني المقاتل . . الذي عندما يُذكر اسمه بعد استشهاده بأكثر من نصف قرن، يفخر به الشرفاء باعتباره رمزا للعزة والكرامة، ولكن ترتعد منه قلوب الضعفاء الذين عجزوا عن السير في طريقه، فيتحولون إلينا سائلين بكل صراحة : لماذا تحبون وصفي دون غيره من الذكور ؟ والسؤال هنا لا يحتاج إلى جواب . . لأنهم يعرفونه في قرارة أنفسهم . . !
التاريخ : 24 / 5 / 2021