مفاهيم اسلامية: الضلال والهدى

#مفاهيم_اسلامية: #الضلال و #الهدى
مقال الاثنين: 13/10/ 2025

بقلم د. #هاشم_غرايبه


هما مصطلحان اسلاميان بامتياز، لم يستعملهما بشر قبل نزول الدين، ودلالتهما اللغوية مشتقة من معرفة الطريق التي توصل الى المكان المنشود، والتي تمثل الاهتداء، والضلال هو سلوك أي طريق آخر غيره، لأنه لن يوصل المرء الى مقصده الصحيح.
من هنا كان اعتبار أن الهدى سبيل واحد لا يتعدد، هو الصراط المستقيم، فيما تتعدد الضلالات، لتشمل كل سبيل معوج أو منحرف عنه، لذلك دائما ما يعرّف الله الاهتداء بالمفرد ويسميه النور، والضلالة بالجمع لأن سبلها عديدة فيسميها الظلمات، فيقول تعالى: “اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ۖ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ” [البقرة:257].
لقد أراد الله من الدين أن يهدي الانسان الى سبيل الفلاح والصلاح، لكنه لم يشأ أن يجعل اتباعه أمرا مفروضا كالفطرة، التي لا يملك المرء الخيار في اتباعها أو رفضها، بل جعله اختياريا، خاضعا لإرادته الحرة، فيأخذ قراره باتباعه أو الاعراض عنه بعد محاكمة عقلية مستقلة عن أية ضغوط أو إكراه.
ولهذا خلق الله العقل للإنسان، ومنحه الأدوات المنطقية التي تساعده لاتخاذ الحكم الصحيح.
ذلك ليتوافق الأمر مع الطبيعة التي خلق الله البشر عليها، مسيّرين في الأمور الأساسية لوجودهم وادامة حياتهم، ومخيّرين في الأمور المساعدة لها، وفي سلوك طريق الهدى أو طريق الضلال.
فعلى سبيل المثال، لا يمكنه التحكم في نبضات قلبه، ولا إيقافه أو تشغيله، ولا في تشغيل الكليتين أو تعطيلهما، ولا في عمل الرئتين اللتان تظلان في عمل دؤوب طوال الوقت لتزويد القلب يالأوكسجين واخراج ثاني أوكسيد الكربون، لكن يمكنه كتم النفس لفترة محددة أو أخذ شهيق وزفيرإرادي، لأنه قد يحتاج أحيانا لذلك في حالة انعدام وجود هواء كالغطس تحت الماء.
إنه تعالى جعل الاهتداء الى وجوده والإيمان به اختياريا، ليتوافق مع سنة الابتلاء والتمحيص، ولذلك خلق الحياة الدنيا لتكون دار ابتلاء، والحياة الآخرة لتكون دار جزاء، فكان جعل الخيار متاحا لكل امرئ بحرية تامة بين الهداية والضلال، متطلبا للعدل بين الناس، واتاحة تكافؤ الفرص فيما بينهم للتنافس على بلوغ المراتب العليا في دار الخلود.
ولأجل التمايز بين النفوس، فقد جعل اختيار طريق الهدى محفوفا بالمكاره، لكي لا تقوى على تجاوزها إلا النفوس الأكبر، وجعل طريق الضلال مزينة بالمغريات من الشهوات والملذات، فتنجذب اليها النفوس الضعيفة المقاومة، فيما تصمد النفوس التي يضبطها العقل المؤمن، لأنه مقتنع بأن ما ستناله جزاء انضباطها أكثر وأدوم من تلك المتع الآنية الزائلة.
هنا نصل الى الحكمة التي أرادها الله من إخفاء ذاته العلية عن مدارك البشر، ومن تغييب كل الغيبيات التي أنبأهم بأمرها، إذ بإدراكها لا تعود من قيمة للابتلاء والتمحيص، فمن يمكنه انكار المرئي والملموس؟، ومن يرى الجنة والنار عيانا، هل يملك عصيانا أو طاعة!؟، لذا لن يكون هنالك من أهمية للحياة الدنيا، لأن كل البشر سينصاعون لأمر الله قسرا وعلى السواء.
لقد حبا الله العقل بوسائل منطقية لأجل تكوين قناعاته، فيبني عليها موقفا، وهذه الوسائل لا تقتصر على الحسية، فهذه أعطاها الله للحيوانات مثلما أعطاها للإنسان، لكنه ميز الغقل البشري بقدرات تأملية أوسع، بإمكانها اجراء محاكمات عقلية أبعد.
وهنا يظهر التمايز بين العقل المهتدي من الضال، فهو الذي أمكنه تكوين القناعات الإيمانية باستخدام العقل، أما الضال فهو من قعد به عقله عند المرحلة الحيوانية، التي تتوقف عن فهم المدركات الحسية فقط، لذلك يقول الضال: لا أومن إلا بما أراه.
ولهذا يعتبر الإلحاد عاهة عقلية.
ولأجل ذلك يعتبر الدين ضرورة أساسية للإنسان، وليس مجرد ترف فكري وقناعات شخصية.
وتحقق صلاح المجتمعات وفلاحها مرهون بمدى اتباعها وتطبيق تشريعاته، فقط لاغير.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى