مفاهيم إسلامية: حقوق الإنسان

#مفاهيم #إسلامية: #حقوق_الإنسان
د. هاشم غرايبه
بعد صراعات دامية على مدى عمر الدول المدنية، تم التوصل لإعلان حقوق الانسان، والذي كلف بصياغته (جون همفري) عام 1948، وكان يتألف من 400 صفحة ثم اختصر الى ثلاثين مادة.
كان التعصب الأعمى هو الذي حال دون أن يرى الباحثون الغربيون عن العدالة التشريعية مبتغاهم في نصوص القرآن الكريم، وسواء من يتقبل فكرة أنه كتاب سماوي أو ينكر ذلك وينسبه الى النبي الأمي، لم يحاول أي منهم الاطلاع عليه بعين الباحث المحايد، وقد كان من الممكن للبشرية توفير أربعة عشر قرنا من الزمن، واختصار الصياغة المسهبة الى مجرد سبع مواد مشتقة من الآية 13من سورة الحجرات، المكونة من إحدى وعشرين كلمة فقط، هي: “يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ”.
لو كانوا يبحثون عن مبتغاهم في الموقع الصحيح، لاستنبطوا ميثاق حقوق الإنسان جميعه من هذه الآية..
فالمادة الأولى: المقدمة (يا أَيُّهَا النَّاسُ): هي خطاب لكل البشر وليس للمسلمين فقط مما يعني العالمية والشمول.
المادة الثانية: التذكير بالطبيعة البشرية، فالإنسان مخلوق، وقاصر بذاته عن الخلق، فليس له الحق في الحجر على حرية الآخر أو التعالي عليه أو التحكم بمصيره بحجة التفوق.
الثالثة: ولادة كل إنسان من ذكر وأنثى تعني المساواة في النشأة والحقوق والواجبات بين الذكر والأنثى، لكن التساوي لا يعني التماثل، بسبب الخصوصية الفيزيولوجية لكل منهما.
الرابعة: التساوي في وحدة الأصل (بني آدم) تعني المساواة بغض النظر عن الاختلاف في العرق والجنس واللون.
الخامسة: طبيعة البشرية هي التعددية واختلاف البنى المجتمعية، لكن الهدف من ذلك هو التعارف لتبادل الخبرات والتعاون والتعامل على أساس الاحترام المتبادل، وعدم فرض رؤية ثقافية أو اقتصادية على الآخر بالقسر.
السادسة: التفاضل بين المجتمعات والتمايز بين الأفراد يكون بحسب الالتزام بالفضائل والقيم العليا وعمل الخير النافع للآخرين، وتقدير ذلك يعود الى الله تعالى.
والسابعة وهي الخاتمة، تذكير بأن الجميع تحت الرقابة من إله لا يخفى عليه سر، ويعلم مبتغى كل فعل، وستتم المساءلة في النهاية، وليست الأمور متروكة لتقديرات وقوانين ومصالح أصحاب النفوذ.
أغلب دساتير الدول العربية نسخت نصوصها من الدستور المصري، والذي نسخ بدوره من الدستورين البلجيكي والفرنسي، ولو كان الدستور البريطاني مدونا لكان هو المصدر الوحيد للتشريعات العربية جميعها، ولعلنا نلاحظ أنه في كل محطة يراجع فيها دستور عربي، تجد الصراع محتدما بين من يطالب بالاعتماد على الشريعة وبين من يعارض ذلك، ثم يتم في النهاية التوافق على ايراد بند يفيد بأن القرآن مصدر من مصادر التشريع، ويقبل الطرفان بهذه العبارة الاسترضائية التي لا تعني شيئا عند التطبيق.
مبدأ الشرائع السماوية واحد وهو التوحيد، والذي هو أفضل ضمانة لحرية الإنسان المنضبطة، فتساوي الناس في عبادة الخالق وحده، تساوي بينهم بالقدر والقيمة، ويعني ذلك نفي مبدأ استعباد الانسان للإنسان الذي هو أساس كل الشرور وسبب كل النزاعات والحروب .
من هنا تأتي الحكمة البالغة في انفراد القرآن من بين كتب الله بالبقاء، لأنه يحمل التشريعات بالصيغة النهائية الكاملة، من أجل تنظيم حياة الناس، وضمان حقوقهم، ومنع البغي والعدوان فيما بينهم.
جميع الكائنات الحية تسعى الى إشباع حاجاتها الأساسية وحسب، ومتى ما نالتها لا تعتدى ولا تبغي على غيرها، لكن الانسان لا يتوقف عند ذلك، وليس لمتطلباته حدود ولا لأطماعه نهاية، ولما كان الإنسان مخلوقا ذا طبيعة فائقة التعقيد، لذا كان القرآن بمثابة تعليمات الصانع (الله عز وجل)، من أجل إدامة صلاحه وصيانته.
فجاء بالدين ومحتواه تشريعات مثلى، وليست كتشريعات البشر التجريبية، فهي لم تدع شأنا ينظم العلاقات الشخصية والاجتماعية والأممية للناس إلا وعالجته، كأصول ثابتة، تاركة للمجتهدين معالجة التفصيلات المتغيرة، حسب مقتضيات الزمان والمكان، لكي تكفل سعادة البشرية وحياة الناس بسلام ووئام.
كل هذا بيّنٌ ظاهر، يدركه كل ذي عقل سليم، ولكن أصحاب الأطماع يرون في الدين حجرا لأطماعهم، وشيمة المكابرين مجانبة الصواب…”كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى” [العلق:6].

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى