معراجٌ الى دمشق / زايد الكركي

معراجٌ الى دمشق

بعد ان تناول وجبته المسائية الخفيفة متابعاً نشرة الاخبار الكئيبة كعادتها وقراءة الشريط الاخباري اسفل الشاشة وكان مصادفةً ينقل خبراً عن دمشق وعن ازمة الغاز هناك , تنهد ذهب لسريره استودع الله عائلتة ووطنه ودمشق واذ بصوت خجول كنور ليلة قدر يُستجاب فيها الدعاء ,نادى من خلف الباب بصوت هادىء يناسب وقار وجلالة القادمة الخجولة , تجيب ” انا دمشق” وهل أنستك الحربُ من تحب , ” لا لم أنسى” وكيف أنسى من جاورت الفؤاد منذ اول ساعة وطئت قدمي ترابها, لكنه القلب يغالبه الخجل من لقائك ونحن الذين اشبعناك طعناً لسبع سنين عجاف , قالت ” لا عليك” فانا أم وكيف لأم ان تغضب من ابنائها.

“وكيف دمشق يا دمشق ؟ ” سألتها , قالت عاتبه عليك فانهض ولنذهب لنعيد الذكريات , حقاً اذا سأبحث عن جواز سفري وآتي ..”جواز سفرك” وهل يحتاج القلب جوازاً ليذهب لمن يحب , أمسكت بيدي وذهبنا .. هنا طريقٌ طويلٌ تتزاحم فيه دقات القلب نحو الطرف الاخر ويوقفه طابور طويل من عشاق الشام على الحدود , ذاك هو الضابط نفسه لكن لماذا صار عصبياً هكذا لقد كان يختم جوازنا مبتسماً ويستودعنا الله الذي لا تضيع ودائعه .. ترى ما الذي تغير لماذا صار يوصينا بان نأخذ حذرنا لماذا صار يطلق لنا عبارات التنبيه بان لا نسير وحيدين مساءً , هل حقاً السير وحيداً في دمشق والبوح بالاسرار للحجارة والاشجار والبيوت العتيقة صار تحدياً هل صار علينا الخوف على احلامنا وآمالنا التي خبئنا هناك , سرنا نحو الحد الاخر .. كل شيء تغير الروح المحبة ووجوه العسكر , سألت منذ متى اصبح الجيش يقوم بمهام المعبر الحدودي . اجابت ” منذ تركتموني للحرب تنهش ايامي وتهدم حجارتي وتروي بدماء ابنائي ترابي” , قلت اريد العودة فالمقام لا يليق بحضورنا ,الجرح يبدو عميقاً والوجع أكبر وأكبر .. ترى ما الذي جعل ابنائك يفعلون كل هذا أماه .. سرنا نحو ذلك الضابط لم يتفوه بأي كلمة لكن عيونه كانت غريبة كغربة المكان وغربة من تشتتوا في كل مكان من الدنيا عبرنا الى الداخل كل شيء في الطريق نحو دمشق برائحة الدم ,الشوارع البيوت المهدمة العبير المهاجر وجوه الناس , ليتني لم أطع نداء القلب نحوك . انا في حيرة الان هل أكمل الطريق نحو دمشق الهوى ام اعود ادراجي مكتفياً بما شاهدت حتى الان .. استجمعت قواي وسرنا نحو درعا , الحزن عميق والشوق اعمق اغمضت عيني لا اريد ان ارى صور البيوت االمحطمة “لله درك يا دمشق وأي خطيئة اركبت حتى عاقبك ابنائك بهذا الشكل” وصلنا لساحة المرجه الصوت ذاته ” زينوا المرجة والمرجه لينا ” لكن هذه المره كان الصوت مختنقاً تغالبه الدموع ربما تملئني السعاده بان اثار الدمار لم تظهر على الساحة العظيمة .. قرأت فاتحة الكتاب للشهداء الذين ارتقوا يوماً حين اعدمهم جمال باشا السفاح . اطمئني يا ساحة الشهداء بلدك الحبيب صار كله ساحة للموت والقتل واصبحنا لا نعرف من الشهيد فيهم , بلدك صار ساحة عرض كبيرة للدموية وللخيانة ولانعدام الانسانية , والحضور يسفقون كلما ارتقت روح من ارواح ابنائك الطاهرة الى السماء .. قاطعتني الا تحن لسوق الحميدية وسوق عاصم الم تعد تشتهي اكلة ” الشاورما” اللذيذة جداً ..”وهل ما زلت تذكرين ذلك” سألتها . اجابت وهل تستطيع الام ان تنسى ما يحب ابنائها سرنا في الحميدية الوجوه شاحبة والحب الذي كان يملأ المكان لم يعد كما هو .. بدأت اشعر بالتعب خذيني الى ساحة الاموي والى ضريح صلاح الدين الايوبي هناك ترتاح النفس اكثر ويشكوا القلب همه, لكن ترى هل ما زالت الروح ذاتها تملأ المكان عظمة ووقاراً ام غيرت الحرب هوية المكان هل ما زال المسجد الاموي موطن الفقراء والشعراء وعابري السبيل هل ما زال الحمام يملأ الساحة ام ان البراميل المتفجرة وقذائف الهاون القت به بعيداً وهدده بعدم العودة هل صوت خيول بني أمية ما زال يصدح بالمكان أم سلم ابنائك الراية لأمريكا وروسيا لنرى راياتهم الكاذبة المزورة هناك.. اذا فلنذهب لقاسيون اريد ان أريح نفسي برؤية دمشق بكامل عذريتها من هناك, اريد ان القي التحية على نصب الجندي المجهول الذي لم يحفظ التاريخ اسمه لكنه حفظ له موته غريباً ليعيش الوطن .. اريد ان احتسي قهوتي هناك واسمع صوت فيروز تصدح ” يا شام عاد الصيف” هل حقاً عاد الصيف يا شام وهل صرخ الحنين اليك في قلوب ابنائك .. ام ان ” كل الذين احبهم نهبوا رقادي واستراحوا ” قاسيون يا جرح الهوى قاسيون اعانك الله وانت المطلة على دمشق كلها وعينك على دمشق باكية وانت ترين في كل صباح كيف تتحول الاحياء الى دماء وركام .

“هل انت مستعد لما بعد ذلك ؟ ” سألتني , قلت الى اين قالت الى البرامكه لنذهب الى الشمال الى اللاذقية الى طرطوس وغابات كسب التي علق بقلبك حبها يوماً الى طريق مكدس بمزارع البرتقال الى البحيرات السبع الى الجبال الشاهقة ال النسيم العليل .. ” الشمال” يعني مرورنا بحلب واما اقول لخالد ابن الوليد هناك واي عذر امام هذا القائد الفذ اذكر .. وفي الطريق الى هناك ايضاً حماه وحمص وأي قلب يستطيع المرور هناك الان ! ترى هل ما زالت هناك آثار لهذه المدن ام حطمتها ايدي ابنائها .. يال جهلنا ذبحنا بلادنا لاجل الحرية برؤية امريكية وخليجية .. لا ارجوك ساعود ادراجي فالقلب نال ما يكفي من الحزن.

مقالات ذات صلة

استيقظ على صوت منبه الصباح وعلى صوت مذياعه وفيروز تصدح كعادتها في كل صباح ” وعليك عيني يا دمشق فمنك ينهمر الصباح “

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى