معذرة جنى / مصطفى وهبي التل

معذرة جنى
في ذات صباح في حزيران عام 2010 استيقظت بإحساسٍ غريبٍ: الحي، وعلى غير عادته كان هادئا دون ضوضاء السيارات. الهواء من النافذة كان نقياً عذباَ. حتى (زقزقة) العصافير كانت مختلفة.
زاد شعوري بالغرابة عندما حياني عامل النظافة عند خروجي من المنزل بلغة لم أفهمها. عدا على أن ملابس عامل النظافة، على غير عادتها، كانت نظيفة وكان يرتدي (يا للهول) قفازات حماية!!
ماذا يحصل؟
هل أنا أحلم؟
قرصت نفسي لأتأكد من أني مستيقظ. ألم القرصة كان حقيقاً فإذاً الغرائب التي تحدث حولي ليست حلماً.
استمر مسلسل الغرائب في طريقي إلى العمل: سيارات قليلة ولا تواجد لأزمة السير المعتادة. التزام نادر بقوانين وقواعد السير من قبل السائقين. نظافة الشوارع وأشجار خضراء تظلل هذه الشوارع على مدى البصر.
مستحيل ان لا أكون أحلم. هذه ليست عمان التي أعرفها. ماذا يحصل؟
الاجابة كانت في المكالمة الهاتفية التي تلقيتها من زميل عربي حال دخولي إلى مكتبي.
زميلي العربي: مبروك!!
انا: الله يبارك فيك. لكن على (شو)؟
زميلي العربي: عجيب! ألم تتابع المؤتمر الصحفي والتصريحات حول مشروع الباص السريع؟ يا أخي (نيالكم) عمان، وحسب المؤتمر الصحفي والاخبار، اصبحت عاصمة أوروبية!
زميلي العربي لم يكن يبالغ لأن ذلك كان فعلاً الانطباع الذي أعطانا اياه المسؤولون أنذاك بالضبط. الوعود والاحلام الوردية التي أطلقها المسؤولون حول مشروع الباص السريع عام 2010 جعلتنا نصدق اننا بصدد نقلة نوعية فريدة خلال سنوات قليلة ستضع عمان في مقام العواصم الاوروبية الحديثة.
قبل تسعة أعوام كان هذا هو حلم المستقبل، أما اليوم فنحن نعيش كابوس الواقع.
هل تعلمنا الدرس؟ هل تعلمنا أن (نسكر ثمنا) وألا نصرح ونوعد قبل أن يكون لدينا شيء حقيقي ملموس على أرض الواقع؟
طبعاً لا!
(مهو الحكي ببلاش) وشعبنا طيب و(يصدق أي كلام).
لنستبدل اسم أمين عمان السابق عمر المعاني باسم أمين عمان الحالي يوسف الشواربة ولنستبدل اسم رئيس الوزراء السابق سمير الرفاعي باسم رئيس الوزراء الحالي عمر الرزاز ولنستبدل اسم مشروع الباص السريع باسم مشروع باص عمان لندرك اننا لا زلنا كما كنا (مكانك سر).
أعترف أني كنت (أهبل) وصدقت الاعلانات وتصريحات الشواربة والرزاز حول باص عمان. واعترف انه من حماسي بعد سماع التصريحات وبعد رؤية الاعلانات قررت شراء تذاكر للعائلة كلها.
حماسي هذا للأسف (او لعله للأفضل) لم يشاركني به بقية أفراد العائلة. ولم ترضى سوى (حصتي) جنى الصغيرة أن تشاركني في اول رحلة تجريبية لنا مع باص عمان. للأمانة جنى استمتعت بالرحلة لانها كانت مغامرة كاملة لها تضمنت بوظة وعصائر في وسط البلد. لكن باص عمان مقارنة بالتصاريح والاعلانات (طلع مقلب). معذرة يا جنى لك شكله الرزاز ضحك علينا من جديد.
نعم، باص عمان باص حديث جميل.
لكن هنا تنتهي المقارنة مع التصريحات والوعود.
أي نعم الباص مكيف لكن دون جدوى لأن حمولة الباص كانت أعلى من الحمولة القانونية ولأنه، وبسبب الحر داخل الباص، فتح الركاب النوافذ الصغيرة لعل وعسى.
نعم هناك حسب الخريطة وحسب التصريحات مواقف للباص محددة لكن سائقنا لم يلتزم بها وكان يتوقف أينما لوح له أحدهم ببطاقة. اي (رجعت حليمة لعادتها القديمة).
نعم هناك ازرار لطلب التوقف لكن ايضا هي لم تكن تعمل (في رحلة النزول إلى البلد او في رحلة العودة من البلد) وهكذا يضطر الراكب ان يصرخ بأعلى صوته حتى يسمعه السائق ويتوقف دون ضمان ان يتوقف السائق عند الموقف وانت وحظك ومزاج السائق.
طبعاً مواقف الباصات حتى الآن لا يوجد بها أي خرائط او أي معلومات عن الخطوط واوقات عمل الباصات (حسب التصاريح فهذه الخطوة الأساسية في أي نقل عام محترم مخطط لها بالمستقبل)!!
يا معالي الامين ويا دولة الرئيس، موضوع النقل العام ليس سحراً وكان يمكن ان نعمله على (السكيت) دون ضجة ودون وعود فارغة. موضوع النقل العام الجيد المعقول بسيط وكان موجود لدينا في نهاية السبعينات وامتد لسنوات عديدة قبل ان يتم تدميره. الموضوع ليس بباصات حديثة وليس بعرض (بور بوينت) ملون. النقل العام يحتاج تنظيم بسيط وإدارة ملتزمة وإرادة وانتماء قبل الباصات الحديثة وقبل الاعلانات والمؤتمرات والتصاريح الصحفية. متى توفرت هذه بالشكل الصحيح سنحصل على نقل عام صحيح. (غير هيك) انسوا وكفى تضيع فلوس البلد على اعلانات وعلى مشاريع في الغيوم.
ببساطة زي ما قلنا لقتيبة لا ترد على الرزاز واطلع وهاجر نقول للمواطن لا ترد على دولة الرئيس والحق وجيب قرض سيارة لانه لسه باص عمان بده وقت (هذا إذا زبط الموضوع اصلا). وإذا كان لديك أخي المواطن شك في كلامي فأني أدعوك للاطلاع على تصريح وزير النقل في صحف الأمس: “آن الأوان لإنجاز منظومة نقل متطورة.” معاليه اتحفنا بهذه المعلومة خلال ترؤسه الاجتماع الأول للفريق الذي تم تشكيله لتقييم قطاع النقل. لاحظوا أهم شيء في الخبر: الاجتماع الأول. هذا يعني لسه في اجتماعات ثانية وثالثة وحادية عشر والف وخمسمائة ودورات في الخارج وخبراء اجانب واهم شيء طبعا كمان (بور بوينت) لنخرج بنتيجة: عندنا مشكلة في النقل العام وسيتم حلها في مؤتمر صحفي واعلانات في الشوارع.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى