#معجزات_الانبياء كانت على قدر مقدارهم عند أقوامهم
فإن كان مقدارهم هابط كانت معجزاتهم صارخة حسية وان كان مقدارهم عالٍ كانت معجزاتهم هادئة عقلية منطقية.
إنظروا إلى معجزات موسى وعيسى مقابل معجزات إبراهيم ومحمد عليهم جميعا الصلاة والسلام.
فموسى امام فرعون هو رجل فار من العدالة مرتكب جريمة كبرى بغير حق بالإضافة إلى انه ذو عيوب خَلقية بينة ، فهو يجيد الكلام (ولا يكاد يبين ) يضاف الى ذلك التشوه الذي في يده وهو منفر بالطبع هذا من الجانب الشخصي. اما من جانب الانتماء فهو وأخوه ينتميان لأقلية مستضعفة مستعبدة ذليلة مهانة. ( فقالوا أنؤمن لبشرين مثلنا وقومهما لنا عابدون). والأدهى من ذلك انهما مع كل ما بهما من ذلة وهوان بمنظور آل فرعون لم يكتفيا بمخاطبة عامة الناس بل توجها إلى قمة الهرم الاجتماعي والسياسي والاقتصادي إلا وهو فرعون وأعيانه هامان وقارون.
فإذا كان الحال كما وصفت فهل ينفع مع هولاء منطق وحجج وبراهين عقلية. لا ينفع المستكبر إلا ما يرى بعينه لا ما يرى بعقله فلا مكان للعقل امام هذا التحدي الغريب من رجل هذا حاله وحال قومه. فكانت المعجزات الحسية المذهلة. ومع ذلك ازداد الاستكبار وتعاظم الغضب وتعددت التهديدات.
وفي حال سيدنا عيسى عليه السلام كان الأمر يحمل تناقضاً بين المرسَل والمرسَل اليهم. فقد جاءتهم شابة في مقتبل العمر ادعت انها تتعبد في المحراب فإذا بها تحمل سفاحاً كما اعتقدوا وقد خدعت اهلها وانتهكت حرمة المحراب والمصلى والمعتزل. وارتكبت جريمة كبرى وهي الزنا في المعبد. ولم تراعي مكانة اهلها وسمعة اخوها هارون. وجاءت بطفلها الى قومها تحمله وتصمت عن استفساراتهم ولا تعلق على تبكيتهم لها فلا يخرجها من ذلك الاتهام إلا معجزة حسية مشاهدة لا يكاد العقل يصدقها تساوي معجزة اخرى لا يصدقها العقل إلا وهي الحبل بلا دنس . فكانت تلك المعجزة المتمثلة في هذ البيان الرائع من طفل بعد ساعات من مولده. كلام في غاية الاعجاز والبيان والسمو.
وعندما بلغ عيسى أشده وبدأ بتبليغ دعوته. كان عند قومه اليهو د ليس إلا ابن بغي يريد منهم ان يعترفوا به نبياً كموسى وابراهيم واسخاق ويعقوب وداوود.
وقالوا يا للهول والوقاحة التي لا تليق الا بابن بغي . لذاك لم يكن ينفع اي منطق او اي حجة عقلية. فكامت المعجزات الحسية المذهلة من احياء الموتى وعلم ما في بيوتهم وانزال المائدة.
أما ابراهيم ومحمد عليهما السلام. فأمرهما مختلف. فإبراهيم فتى غير معروف عنه غير اسمه. لذلك قالوا يقال له إبراهيم. وهذه ميزة فهو لم يرتكب اي من الجرائم ولم يسجل في ملفات الشرطة ولم يعرف عنه ما يشين. وهو كذلك ابن او ابن اخٍ لرجل معروف محترم، ملتزم بعبادة الأصنام عاكف عليها. وهذا الاب او العم له قدره في قومه لذلك عندما دعاه ابنه الى الايمان هم برجمه ، فهذه فضيحة كيف يجرؤ هذا الشاب على الدعوة اليها. كما كان قومه عقلاء كما سيتبين من طريقتهم في الحوار معه وكادوا ان يسلموا له بالغلبة في حوارهم. لذلك لم يكن هناك من داعٍ لاي معجزة حسية. فالحوار والحجة والبرهان العقلي كافية او يجب ان تكون كافية . لذلك قام بتحطيم الأصنام إلا كبيرا لهم لعلهم اليه يرجعون. وعندما حقق معه القوم قال فعله كبير الأصنام الذي أبقاه شاهدا يستشهد به على ضلالهم. وقال لهم فاسألوهم من فعل ذلك بهم ان كانوا ينطقون.
ولقد سارت المحاججة سيرا حسنا في أولها حتى ان قومه قالوا له (لقد علمت أن هولاء لا ينطقون) ثم اقروا بأنهم هم الظالمون. ولكن الكبر اقوى من العقل.
وهنا جاهرهم بسخفهم (أف لكم ولما تعبدون من دون الله أفلا تعقلون ) .
وقد يقول قائل إن من معجزات سيدنا إبراهيم ان النار لم تحرقه. وهذا صحيح ولكن ذلك لم يكن مثل من المعجزات التي قدمها الانبياء إلى أقوامهم. فقد قدمت لكي يثبتوا انهم رسل الله. ولكن معجزة النجاة من النار حصلت لينجوا من كيدهم.
وكذلك كان الأمر مع سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. فقد كان شابا مكتهلا بعيدا عن اللهو غير متهم في خلقه ولا عرضه. واشتهر بالامانة والجد والعمل. وعشيرته من ارفع عشائر قريش وجده من سادتهم وأعمامه كذلك. وان كانوا فقراء في معاشهم فقد كانوا شرفاء في حسبهم ونسبهم. ام قومه فقد كانوا من سادات العرب وكان لهم موقع شريف بحكم سيادتهم على الحرم وبحكم وفادة العرب اليهم في الحج. وقد حافظوا على حرمة المكان وحرموا القتال في الأشهر الحرم حتى ان الرجل كان يلقى قاتل أبيه فلا يعترضه.
لم يكن هناك تباين بين حال محمد وحال قومه المبعوث اليهم كما كان الحال بين موسى وال فرعون، بين عيسى وبني إسرائيل. فلم تكن هناك حاجة لمعجزات حسية صارخة بل الى المحاججة بالمنطق والاستشهاد بالظواهر الطبيعية من خلق السماء والجبال والإبل وإحياء الأرض بعد موتها. فمن فعل ذلك لا بد انه قادر على إحياء الموتى. ومن خلق من العدم قادر على الخلق من الرمم.
وهكذ لم يعتمد النبي صلى الله عليه وسلم على المعجزات الحسية ولم يحتج إليها.
وكانت النتيجة انه نجح اكثر مما فعل موسى وعيسى بل وحتى إبراهيم.
هذه خواطر احببت أن أشرككم بها واسمع تعليقاتكم رغم طول المقال. ويمكن كل مهتم الاقتباس منه مع وجوب الاشارة اليه، لكي لا يقع من يفعل ذلك في عموم قوله تعالى : ( لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب ولهم عذاب أليم)