سواليف
تمكن وزير التربية والتعليم الدكتور عمر الرزاز، برفقة أبناء الأسرة التربوية، من إنجاز حالة اعتبارية، تبرز بهاء صورة رجل في موقع المسؤولية، نجح، عند النظر لمخرجات سياسته، في إدارة دفة المؤسسة الأكبر على مستوى المملكة، وفي إزالة أكبر عائق أمام الطلبة وذويهم، والمتمثل في امتحان الثانوية العامة “التوجيهي”.
وتحت عنوان عريض أساسه “خطاب يلامس قلوب الطلبة وأسرهم قبل ملامسة عقولهم”، بدأت مبكرا دفة الاستعداد لتحقيق توازن بين الحفاظ على هيبة امتحان “التوجيهي”، والتخفيف من حالة الضغط والتوتر التي يعيشها المتقدمون للامتحان وذووهم، لتعلن عن حالة جديدة طالما انتظرها المجتمع، والمتمثلة بأنه وبرغم اعتبار هذه المرحلة مفصلية في حياة أي طالب، لكن التعامل معها كان في منتهى الهدوء والسكينة، وبـ”أقل الخسائر”.
عوامل عديدة ساهمت بتحقيق ذلك، أبرزها الحوار المباشر الذي انتهجة الوزير الرزاز مع الطلبة عبر قنوات التواصل الاجتماعي، خلت من الحواجز والمطبات، عندما أطلقت الوزارة لأول مرة على مواقع التواصل، منصات لسماع صوت الطلبة وملاحظاتهم وهمومهم وأفكارهم وآرائهم، ما خلق جوا اريحيا واطلق عصفا ذهنيا بين طرفي المعادلة التعليمية؛ الطالب والمؤسسة التي تدير شؤون تعليمه.
الرزاز، وفق ما لوحظ، كان يتابع شخصيا، أغلب ما يرده من ملاحظات حول الامتحان تأتي من الميدان، والصعوبات التي يواجهها الطلبة قبل التقدم إليه وأثناءه، متحدثا إليهم بلغة تحفز الإرادة وتبعث العزيمة، ليساعد بشحذ هممهم، ودفع أولياء أمورهم لتوفير أجواء تتناسب وأهمية الحدث.
وإلى جانب حراك الرزاز، عملت الماكينة الإعلامية بالوزارة على التأكيد عبر المنابر كافة أن “التوجيهي محطة من محطات العمر، لكنها ليست نهاية المطالب”، وذلك عبر مجموعة رسائل ركزت على الجانب التربوي، بدلا من التركيز على العقوبات والمخاوف، إلى جانب التأكيد في الخطاب الإعلامي على مفردات “حق التعلم مدى الحياة، والتعليم حق إنساني”.
ومن العوامل التي كان لها شأن كبير بالتخفيف من حدة التوتر، أن الوزارة نجحت بأن تكون شريكة مع الطلبة وذويهم، في تحديد كل ما يتعلق بامتحاناتهم، بدءا من ترتيب برنامج امتحاني بني على رغبة الطلبة وآرائهم، ومرورا بوضع أيام مناسبة أمام الطلبة لدراسة مواد تحتاج لمدة دراسية أطول خلال فترة الامتحانات، بالتزامن مع مراعاة الفروق الفردية بين الطلبة وقدراتهم المختلفة، في الوقت الذي ساهم إدخال نماذج الأسئلة الموضوعية بنسبة 20 % لكل مبحث، بإراحة الطلبة الذين طالما طالبوا بهذا النوع من الأسئلة، إلى جانب إنهاء أزمة عدم شمولية الأسئلة على الكتاب المدرسي كاملا.
وبرغم أن امتحانات هذه الدورة، تعتبر طويلة قياسا بسابقاتها، إلى جانب أن أعداد من شاركوا فيها، سجلت زيادة بنحو 20 ألف طالب وطالبة، وهؤلاء ممن سبق واستنفذوا حقهم بالتقدم للامتحان وفق النظام القديم، إلا أن رياحها مرت دون أن تترك وراءها ما يؤرق، فحملت الطلبة نحو أجواء نفسية أكثر راحة، استعدادا لامتحانات الفصل المقبل.
الناطق الرسمي باسم الوزارة وليد الجلاد، يضيف على ما ذكر سابقا، أن “التركيز على الجانب الأبوي في التعامل مع الطلبة، انعكس إيجابيا على نفسية الطلبة، وبالتالي ظهر ذلك جليا على أدائه خلال الامتحانات”.
ودلل الجلاد على ذلك بقوله انه “برغم الأعداد الكبيرة التي تقدمت للامتحانات، إلا أن حجم المخالفات كان بسيطا جدا، بتسجيل 271 مخالفة في أيام الامتحانات كافة.
ويؤكد أن الامتحانات نجحت بالحد من التوتر الذي كان المجتمع يعيشه جراء “التوجيهي”، مشيرا إلى أن ذلك تحقق بفعل اتخاذ إجراءات مبسطة، واستعداد الطلبة الجيد للامتحانات، ووعيهم بالتعليمات، بالاضافة الى الدور الايجابي للاسرة التعليمية من معلمين ومراقبين وغيرهم، ودور الأجهزة الوطنية والمؤسسات الإعلامية التي ساعدت الوزارة بإيصال رسائل إيجابية. أربعة جوانب عمد الرزاز لانتهاجها، بهدف زرع بذور اصلاح “التوجيهي”، مع الحفاظ على هيبته، والتأكيد على أهميته كسبيل للطالب نحو المستقبل، اذ كان الجانب الأول تربويا، ساهم بتحفيف الضغط على الطلبة، فيما ركز الجانب الاجتماعي على التخلص من صبغة “الفاشل” التي كانت تلازم كل طالب لا يتجاوز “التوجيهي”، عبر تحديد 40 % كحد أدنى لعلامة النجاح في كل مبحث، ما يعني أن الطالب يمكنه الالتحاق بسوق العمل، أو كليات المجتمع حتى لو لم يحقق الـ50 %.
أما الجانب الثالث، فكان اقتصاديا، اذ ساهمت الإجراءات الجديدة بمساعدة الأهل على التخلص من أعباء تدريس أولادهم خارج الأردن للحصول على “التوجيهي”، كما خففت من حدة إقبال الطلبة على المراكز الثقافية الخاصة أو الدروس الخصوصية، فيما كان الجانب الرابع نفسيا، عبر منح الطالب فرصا مفتوحة للتقدم للامتحانات.
الرزاز؛ وفق استطلاع غير علمي نشر مؤخرا، كان أكثر تفاعلا عبر منصات التواصل، ذلك التفاعل الذي جعله أقرب من أي شخص آخر، لأن يكون حاضرا بين الطلبة وذويهم، وأبناء الأسرة التعليمية، فلم تعد وزارة التربية قلعة محصنة تطلق “صواريخها” من خلف ستار، بقدر ما أصبحت مؤسسة وطنية تشاركية.
الغد