مطحنة الشرايط

مطحنة الشرايط
وليد عليمات

كان عبود يجري في الحي بكل ما اتاه الله من سرعة ويصرخ بكل ما اتاه الله من قوة (يااا عياال أجت أجت)
وأخذنا نجري وكأن زلزالا أصاب الحي وكل منا يجري نحو بيته.
دخلت البيت وأنا أصرخ (أجت يما أجت) فأسرعت أمي نحو (المِطوى) والخزانة وأخذنا أنا وأخوتي نجري معها وبدأنا نملأ الأمتعة في (الشوالات).
فتحت أمي النافذة وبدأت بنداء الجارات… بسرعة يا ام علي.. استعجلي يا ام محمد.. يا بنت وين امك #الطواية (النايطة)
.
حملت (الشوال) على ظهري.. وتبعني أخوتي بالبقية.. وتلاقينا على الباب مع اولاد الحارة وكل منا يحمل كيسه على ظهره وبدأنا نتسابق نحو (مطحنة الشرايط)
.
كنا أول الواصلين وأبو عزمي أدار آلته استعدادا لبدء العمل..
كان يعض على سيجارة (الهيشي) بأسنانه السوداء المتفرقة.. وينفث الدخان من أنفه على شاربيه الصدئين بفعل عوامل الطقس ونفث الدخان..
.
قال أبو عزمي.. يا ولد انت وإياه السنة الطحن عالكيلو مو عالشوال.. والكيلو بشلن…
قال عبود (ئي ما انت تطحن الشوال بربع نيرة)
قال ابو عزمي (ودك تذل أمي في ربع نيرتك.. هاظ اللي عندي)

وبعد التوكل على الله و العودة إلى الأهل واستشارة العشيرة والأصدقاء و أخذ الضوء الأخضر وافقوا على عرض مطحنة الشرايط..
أبو عزمي على القبان.. يضع ماضينا وتاريخنا وكل ما #لبسناه من مؤامرات.. وكل ما لنا من مظالم تالفة.. قميصنا الوطني القديم.. وأغطيتنا الثورية.. وستائر المستقبل المهترئ
ثم يرميها في المطحنة.. لتخرج مزيجا من كل ما هو قديم.
.
نحمل ماضينا المطحون في ذات الأكياس.. ونعود به لمنازلنا..
كانت أمي تجعل منه حشوا لوسائدنا الجميلة المزركشة المجمّلة بعبارات (صباح الخير.. واحلاما سعيدة..)
أو تكسو المطحون ليكون فراشا..
.
كنا نصرُّ على النوم على الوسائد الجديدة.. التي سرعان ما تتحول #حجر مسماه الوظيفي وسادة.. وتتحول الفرشة إلى لوح خشبي وكأنه قارب قديم..
.
منذ فترة طويلة.. لم تعد تأتِ مطحنة الشرايط.. ولربما مات أبو عزمي… وبقيت أمهاتنا لسنوات يكدسن كل ما هو قديم وتالف أملا في رجوعها..
ولربما أن مطحنة الشرايط موجودة لدى جهة ما في الدولة تستعملها لإنتاج المسؤولين…لأن وسائد الدولة من الخارج تبدو (احلاما سعيدة) والحشو هو ذات النهج القديم.. سرعان ما تتحجر..

#وليد_عليمات

مقالات ذات صلة

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى