#مضر_بدران رجل المواقف الصعبة . . !
#موسى_العدوان
يقول رئيس الوزراء الأردني الأسبق مضر بدران ( 1934 – 2023 ) في مذكراته ” القرار ” ما يلي وأقتبس :
” قادني القدر إلى المشاركة في تأسيس جهاز المخابرات العامة، لأكون ثاني مديري الجهاز الذي أسسه جمع من خيرة الضباط الأردنيين، وكانت محطتي التي أردتها لرصد الخطر الإسرائيلي وجمع المعلومات ونشرها على نطاق تعظيم جبهة العرب في حربهم ضد العدو، ونصرة شعب فلسطين.
واستمر الهاجس يلاحقني حتى مع انتقالي إلى مواقع سياسية أخرى، بدأتها في الديوان الملكي ثم وزيرا ورئيسا للوزراء، رافضا تقديم أي تنازلات أردنية أمام الضغوط الأمريكية، التي تريد فرض سلام منقوص وانهزامي مع عدو غاصب، واتكأت بكل قوة آنذاك إلى موقف الشارع الأردني، وحكمة الراحل الملك حسين، في مواجهة أكثر قضايا أمتنا تعقيدا.
ولم تكن تلك الحقبة من تاريخ الأردن انسيابية يسيرة، عايشت فيها أياما حالكات الظلم والقلق، فثمة عدو على حدودك الممتدة من عين البصر إلى جوف القلب، عدو يسعى لاغتصاب الأرض والحقوق، ويطمع بزعزعة محيطه، حتى وقعت أزمة الخليج بعد الحرب على العراق التي جاءت علينا بالوبال، ممهدة الطريق بعدها إلى السلام المزعوم، المدعوم أمريكيا بانحيازه لإسرائيل بفجاجة ومن دون حق.
وفي لحظة استجابة للنداء الداخلي في خضمّ هذه التغييرات، أصبح لزاما عليِ الاعتزال، إذ لم يكن استهداف العراق سوى مجرد البداية، وما انحيازنا لخيار الحل العربي للأزمة في الخليج إلا إصرار منا على ابعاد الاحتلال الأمريكي ومحاصرة أطماعه، وتحصين الجبهة الأردنية المشتبكة مع أطول حدود مع الاحتلال الإسرائيلي.
لكن قوة العراق تهاوت وأقصّ الاحتلال الأمريكي بعد نحو عشر سنوات مضاجع البلد الشقيق وانكشف ظهرنا وعمقنا العربي، فذهبنا تحت وطأة الحصار إلى مفاوضات السلام، التي قرأت عبثيتها، خصوصا بعد فصل المسارات العربية، وكسر الموقف المشترك من خلال تفرد الفلسطينيين باتفاق أوسلو، واتسعت هواجسي بشأن المعاهدة وخطرها، واعتزلت بفعلها العمل العام، فلم يكن أمام الأردن خيارات، ورفع المحذور بالذهاب إلى السلام بدلا من الاستسلام للحصار، وبدء مرحلة مغايرة مع إسرائيل عبر حلفائها، وفقا لشروط الواقع السياسي الجديد.
ولعل تلك كانت بداية الانحسار العربي العظم في الألفية، إذ أخذت قوة العرب تتآكل في العراق بعد احتلاله العام 2003، وما لبثت سوريا أن عانت من حصار غير معلن حتى بلغ ما بات يعرف بالربيع العربي مستوى المؤامرة على سوريا الموحدة، فأخرجها من جبهة التصدي والمواجهة، ومن قبلها مصر التي فشلت في خلق البديل المناسب بعد ثورتها على نظام حسني ميارك.
وإذا ما اتجهنا شرقا نحو الخليج العربي، فكان علينا أن ندرك أن اقتصادهم تحول من خدمة قضاياهم إلى خدمة شراء حلفاء لهم في الغرب وخاصة أمريكا، وافتعال سباق تسلح من الترسانة الأمريكية ليس لمواجهة الخطر الإيراني بل خدمة للاقتصاد الأمريكي، الذي يبيعنا أسلحة تتفوق إسرائيل عليها في امتلاك تكنولوجيا متقدمة، لنعيش اليوم ارتباكا خطيرا في إدراك المخاطر من حولنا، وتصبح حالة الاحتراب العربية البينية أكثر أهمية من محاربة احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية، فتكون إسرائيل هي الناجي الوحيد والمنتصر بعد كل هذا الضعف والهوان والعبث والتمزق لوطننا العربي.
لقد مرت علينا أيام في هذا الوطن صعبة جدا، لكن قدر هذا الوطن العزيز، أن يكون محميا ومباركا، فأنا أشعر بالحماية الإلهية هذا التراب وأهله ونظامه، ولا أقولها من باب ( الدروشة )، بل أقولها من باب ما شهدته وخبرته من مصاعب وصعوبات، اجتازها الأردن قويا عزيزا “. انتهى الاقتباس.
- * *
التعليق : هذا هو مضر بدران . . هذا هو رجل الدولة، الذي اختاره الحسين . . ليتولى رئاسة الوزراء ثلاث مرات على فترات متقطعة، كانت آخرها في ظروف عسيرة من عام 1989 إلى عام 1991.
وهو رئيس الوزراء الوحيد بين الرؤساء اللاحقين، الذي سار على خطا وصفي التل، وعمل مآثر كثيرة لأجل الأردن والأردنيين، سبق أن تحدثت عنها في مقالات سابقة. ولا يسعني اليوم، في ظل فقرنا برجال الدولة الأقوياء وأصحاب القرار، إلاّ أن اترحّم على مضر بدران، وأدعو الله أن يرحمه ويسكنه جنات الخلد والنعيم.
التاريخ : 1 / 12 / 2024