في سجن الجويدة / النزيل : محمود الشمايله

في سجن الجويدة

بقلم النزيل : محمود الشمايله

على نحو ما كنت اعتقد ان اللحظات الأولى في السجن هي الأصعب على الإطلاق، خاصة أنها التجربة الأولى التي أعيشها وانا عار من ملابسي وأحلامي على حد سواء ، حتى تلك الغرفة القميئة التي تكدسنا فيها كدجاج المزارع لم تكن هي الاسوأ.
على أية حال بت الليلة الأولى على البلاط من فرط التعب …
وكنت اظن وبعض الظن أثم أن الامور ستكون على ما يرام بعد أن تجاوزت غرفة الاستقبال القميئة ..

في صباح اليوم الثاني تنقلت بين المهاجع ، حتى قابلت من أعرفهم معرفة جيدة ، قابلوني باحترام كبير مع الكثير من الفخر والاعتزاز خاصة بعد أن عرفوا سبب توقيفي ..

للاسف الشديد كانوا من طلبتي الذين درستهم في عدد من المدارس ..
أصبحوا الآن شباب في عمر الزهور ، يحملون من الاحلام ما نعجز عن التفكير به ولو ل لحظة واحدة ..
يحلمون بوطن أجمل لا فقر فيه ولا فاقة..
انهم يشتاقون إلى امهاتهم وأصدقائهم، يشتاقون إلى الوطن بخيره وشره، أحدهم ما زال يحلم بوظيفة بائسة حتى لو كانت عامل وطن في بلدية ما ، قال انه وعد امه انه سيشتري لها شال احمر من رأس الراتب الأول الذي سيتقاضاه ثم ذرف دمعة ، قال ذلك عندما تخرج من جامعة مؤته وهو يحلم بالكثير ….
البطالة ، الفراغ ، الاحباط، اخبار الفساد والمفسدين ..نهب الاوطان بالجمله..
كل ذلك جعلهم يتابعون احلامهم وهي تتبخر على نيران القهر.

انهم ضحايا المخدرات ومروجيها…
نعم … هم من متعاطي المخدرات التي داست على اعمارهم .
جميعهم أجابوا على ذات السؤال بذات الألم ..

تخرجوا من الجامعات ليجلسوا على أرصفة الانتظار في مدن الفراغ …
لا شيىء هنا سوى مغامرات التجريب…
قال أحدهم: جرب مرة واحدة من باب الفضول لتجد نفسك عبدا لها لا تملك حتى حق العودة….

في سجن الجويدة ..
شباب يتلبسه القهر … عاشقون للوطن ..عاطفيون جدا ..
انهم يذرفون الدمعة تلو الأخرى كلما خرجوا بخيالهم خارج قضبان السجن….ويبدو الحال كارثي حين يصل إلى قلوب الأمهات التي اشتعلت بنيران الشوق مع اقتراب موعد الزيارة.

سألني أحدهم: يا استاذ جميعنا هنا من متعاطي المخدرات ..
لماذا لا يحضرون المهرب الذي أحضرها من الخارج ولماذا لا يحاسبون التاجر الذي يبيعها ؟!.

قلت ولعلي أخفف من وطأة الأسى ..
لعلهم في سجون أخرى تشبه سجونكم ..

ابتسم بتهكم …. ثم أضاف
ربما هم في باب الهوى أو فوق الهوى فلم يعد الأمر مهم …

في مواجهة شباب الوطن سواعد الخير ..
كنت أظن أن مصيبتي كبيرة ولكنني عرفت ان لا مصيبة أكبر من مصائب الوطن في شبابه ……..

في الحقيقة كان ذاك اليوم … أصعب يوم في حياتي .

ولا حول ولا قوة الا بالله…..

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى