مصطلحات إسلامية: #الهدى و #الضلال
بقلم: د. #هاشم_غرايبه
لغويا: الهدى تعني معرفة الوجهة الصحيحة، والضلال هو العكس، والدليل إليهما #العقل، وهذان المصطلحان لا يستعملان إلا للدلالة على #الإيمان بمنهج الله أو الكفر به.
بعد أن اهتدى الإنسان الى الله، وعرف أنه أوجده لغاية معرفته وعبادته، اكتشف أنه مميز عن سائر الكائنات الأخرى التي هي مسيرة وفق ما فطرت له، بينما هو مخير في اتباع فطرته أو مخالفتها، ولديه الحرية في اختيار وجهته ومنهجه وأفعاله، والتي جميعها خاضعة لتحكيمه العقلي ووفق إرادته المستقلة.
منذ البداية شغلت البشر مسألة معقدة، وهي طالما أن كل الكائنات خاضعة لإرادة الخالق، فكيف تكون لهم إرادة حرة؟.
المسألة ليست بتلك البساطة المتوهمة، فإرادة الإنسان ليست لأجل اتباع إرادة الله أو التمرد عليها، بل يمكننا القول أنها جعلت خاضعة لتحكيم العقل والمصالح والرغبات، لذلك فهي نتاج لجملة من الضوابط والتناقضات، لكن الله من جملة تكريماته للإنسان أن جعله تحت عنايته المشددة، فأبقاه طوال الوقت تحت رقابته.
للتقريب أضرب مثلا ولله المثل الأعلى: يصطحب الأب طفله الى السوق، يتركه من يده لأنه يريده أن يتعلم ويتعرف على الأشياء، لكنه يبقيه تحت نظره وفي متناول يده لينجده حين اللزوم، ويترك له حرية الشراء، فيشتري ما يحب، ويختار الطفل لعبة، لكن الأب من حرصه عليه، إن وجد أنها خطرة أو ليست مناسبة لعمره يتدخل لمنعه.
وهكذا تكون إرادة الطفل حرة في الاختيارات التي لا تلحق أذى به أو بغيره، وحين يلتزم بإرشادات والده يجزيه أكثر، لكنه إن أصر على عصيانه واتباع أهوائه حاسبه عند العودة الى البيت وعاقبه.
ما هو مخير فيها المرء تشمل أغلب الأمور التي تحكم معيشة الدنيوية، أما التي يكون فيها المرء مسيرا لا إرادة له فيها فهي محدودة في تلك التي لن يحسن التقدير فيها، لنقص في علمه أو أنها مغيبة عن إدراكه، أو أنها ليست بمقدوره أو مستطاعه، مثل زمن الولادة والموت والحصة من الرزق في الدنيا، ومصيره في الآخرة.
لكن بعضا من التداخلات بين المسير والمخير، يستعصي فهمها على أغلب الناس، كونها تخضع لحكمة الخالق وعدله الذي يساوي بين الناس في اتاحة الفرص أمامهم للتنافس فيما بينهم في نيل ثوابه، وللتفاضل في النجاة من عقابه.
المسألة الأهم من بينها هي: كيف يمكن التوفيق بين قضيتين: الأولى أن الاضلال والهداية هما بيد الله، وهو يهدي من يشاء ويضل من يشاء، والثانية أن الهداية اختيارية فمن يشأ يهتدي ومن يشأ يضل نفسه.
1 – مبدئيا ان الله تعالى يحب لخلقه الهداية، “وَلَٰكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ” [الحجرات:7]، وخلق الجنة والنار ليكونا محض عدل لمن أطاعه فاختار الإيمان، أو عصاه فاختار الكفر والجحود بنعمه.
2 – لذلك فقد زود الله الإنسان بالعقل الذي يمكنه بذاته الوصول الى معرفته، ولرحمته بالناس عبر العصور، فكلما رأى قوما اشتطوا في الضلال أرسل لهم الرسالات عبر أنبيائه ورسله، يرشدونهم وينذرونهم سوء العاقبة: “وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ” [فاطر:24].
3 – هذا على مستوى الأمم والجماعات، أما على مستوى الأفراد، فلا يترك الذي تنكب الهدى بعد اذ وصله، ولرحمته بمن آمن وانحرف الى الضلال، يواصل انذاره وتنبيهه بأحداث تصيبه في جسده أو أهل بيته أو أملاكه، لتذكيره بأن يلجأ الى الله ويعود أليه.
4 – من تجاوز كل هذه الحواجز الدفاعية للحماية من الضلال، وأصر على معاندة فطرته وعقله ورسالات ربه، وأصر على اتباع أهوائه، فقد عطل قلبه الذي يعقل به، لذلك يصبح قلبه قاسيا صدئا فلا تفتح بواباته لخير، هؤلاء يعاقبهم الله بأن يختم على قلوبهم فلا يعود ممكنا استصلاحها وهدايتها.
4 – نستخلص أن أرادة الله أساسا هي في الهداية، ولا تكون في الإضلال ألا لمن أصر على الضلال، ولم يستجب لكل وسائل استعادته، عندها تكون إرادة الله في الإضلال، إذ يزين له سلوكه، فلا يعود ممكنا العودة عنه، فيحرمه من نيل رحمة الله ومغفرته.