
سواليف
انتهت أمس اربعينية الشتاء ، ونبدأ اليوم خمسينية الشتاء والتي تنقسم الى اربعة سعودات تنتهي في موعد الانقلاب الربيعي في الحادي والعشرين من آذار ، حيث لم يترك الموروث الشعبي حادثة أو مناسبة إلا وربطها بقصة أو مثل تتناقله الأجيال، وكغيره من الأحداث والمناسبات، زخر فصل الشتاء بعدد كبير من القصص والأمثال، ومن أهمها قصة خمسينية الشتاء والسعودات.
معظمنا سمع عن سعد الذابح أو سعد الخبايا أو سعد السعود أو سعد “ابلع” أو البلع، لكن قليل من يعرف قصتها أو المناسبة التي دفعت أجدادنا إلى إطلاق هذه الأسماء بعينها على هذه الأيام المحددة من الشتاء.
أن رجلاً اسمه سعد سافر في الأول من شباط وعندما اشتد البرد ذبح ناقته واحتمى بجلدها حتى انتهى البرد، فيما لم يقبل من رافقه فعل الشيء نفسه، وحافظوا على قطعان إبلهم، فجرتهم مياه الأمطار في الوديان، فيما ظل سعد على قيد الحياةً.
ووفق روايات شفوية أخرى، تنتشر في صفوف كبار السن ، فإن جماعة من البدو خرجوا للصيد في عهد بني أمية في خمسينية الشتاء, وتعرضوا لمطر وابل أهلك معظمهم, ولم ينج منهم إلا القليل، ومن بينهم رجلا اسمه سعد. ولما عادوا إلى مضاربهم سأل أبو سعد عن ابنه فقالوا له: سعد ذبح ناقته واختبأ بها ثم ابتلعت الأرض الأمطار فأفرجت وخرج سعد من مخبئه ومن هنا جاءت التسمية .
وتقول قصص أخرى إن سعداً كان في طريقه للسفر فنصحه أبوه أن يتزود بفراء وقليل من الحطب اتقاء لبرد محتمل, فلم يسمع نصيحة أبيه ظنا أن الطقس لن يتغير كثيرا أثناء رحلته, وفي ذلك الوقت كان دافئا, ولكن ما أن بلغ منتصف الطريق حتى بالغيوم وهبت ريح باردة وهطل مطر وثلج بغزارة, و لم يكن أمامه سوى ذبح ناقته الوحيدة، حتى يحتمي بأحشائها من البرد القارس, وعندما ذبح الناقة سمي سعد الذابح .
كما تؤكد حكايا شعبية أخرى تختلف قليلاً في التفاصيل: بعد أن جعل سعد جلد الناقة بيتا له، جاع ، و لم يجد أمامه سوى لحم الجمل للأكل وهكذا كان سعد البلع , و بعد ان انتهت العاصفة و ظهرت الشمس خرج سعد من مخبئه, فرحا بالحياة مجددا بسبب ذكائه في التصرف فكان سعد السعود, وحرصا منه على متابعة طريقه دون مشاكل صنع لنفسه معطفا من وبر الناقة، وحفظ زادا له من اللحم المتبقي من الجمل بواسطة الثلوج، فكان سعد الخبايا.
واستناداً إلى الحاج يوسف الذي أبصر النور في عام 1927، فإن سعد بلع يعني أن الأرض تبلع كل المطر الذي يهطل عليها، أما سعد الخبايا، فيشير إلى انتشار ما تخفيه الأرض من قوارض وأفاعي، فيما يعني سعد السعود، انتشار الحياة في عود الأشجار، وبداية تفتح براعمها وإزهارها.
لكن قصصا توردها كتابات شفوية شامية، تقول إنه في قديم الزمان خرج شخص من منزله ويدعى (سعد) إلى الحقل برفقة بقرته، وفي هذه الأثناء هبت عاصفة قوية وبرد قارس مع ثلوج غزيرة فلم يستطع سعد العودة إلى بيته.فحزنت أمه كثيرا، فقال لها والده: لا تحزني، وتأكدي سعد إذا ذبح فلن يُذبح، وإن لم يذبح فسيُذبح وفعلاً عاد سعد بعد فترة إلى منزله وهو متلحف بجلد البقرة .
غير أن هذه الحكايات غير الموثقة بسند تاريخي دقيق, جاءت بناء على انقلاب أحوال الطقس, فسعد الذابح يعني القاسي لأنه معروف بشدة برودته, وسعد بلع لأن الأرض تبلع مياه الأمطار أو بسبب جفاف المياه بفعل الرياح, وسعد السعود بسبب بدء ارتفاع حرارة الجو, وسعد الخبايا تخرج الحشرات بعد السبات الشتوي .
ويبدأ، وفق الحاج يوسف سعد ذابح من 1 – 12 شباط, وقالوا فيه: سعد ذابح ما بخلي كلب نابح.أما سعد بلع فوقته من 13 – 25 شباط, وقالوا فيه: “سعد بلع لا زرع ولا قلع, وبسعد بلع السما بتشتي والأرض بتبلع” . ويحل سعد سعود من 25 شباط – 10 آذار, وقالوا فيه: ” بتتحرك الماوية في العود” .ويحل سعد الخبايا من 10 – 22 آذار, وقالت فيه الأمثال الشعبية: “سعد الخبايا بتتفتل فيه الصبايا, وبسعد الخبايا .. اشلح الفروة والبس العباية”.
***ثالثا…. اخترت لكم مقالا منشور في منابر موقع طقس العرب وفيه شرح اشمل واوسع ولربما من زاوية اخرى تستند على هذه التسميات هي سورية الاصل يقول المقال :
قسّم السوريّون الشتاء بأشهره الثلاثة إلى قسمين :
أ ـ أربعينية الشتاء: وسموّها المربعينية, مدتها أربعون يوماً من 21كانون الأول إلى 30 كانون الثاني .
ب ـ خمسينية الشتاء: ومدتها خمسون يوماً من 31كانون الثــــاني إلى 21آذار . وتقسم الخمسينية إلى أربعة سعود : سعد دبح ( دابح ) – سعد بلع – سعد السعود – سعد الخبايا . وإنّ كل سعد مدّته 12 يوماً ونصف , والمستقرضات 7 أيام، وتقع ضمن الخمسينية .
وكل مناسبة قيل فيها بعض الأمثال , فمن الأمثال التي تصف شدّة البرد في أيام السعود الأربعة:
– بتقول المربعينية إذا ما عجْبكم حالي ببعتْ لكم خْوالي ( السعود )
ونبيّن فيما يلى تفسيراً لهذه المناسبات والأمثال التي قيلت فيها :
1ـ سعد دبح : ويبدأ في 31 كانون الثاني :
وسمّته العامة سعد الدابح لشدة البرد فيه وتموت فيه الماشية . وتقول العرب : إذا طلع سعد الدابح حمى أهله ونفع أهله الرابح ويصيح السارح في الحي الأنافح . ومن الأمثال التي قيلت فيه :
– بسعد الدابح يانهار مُد ّويابَرْد شُــدّ
– بسعد الدابــح لاتنــــــابح
– بسعد دبح إن دبح ربح وإن ما دبح اندبح
2ـ ســعد بَلـْع : يبدأ في 12 شبــاط :
وهو نجمان مستويان أحّدهما خفيْ والآخر ُمضيـــــىء يسمّى بالعاً كأنه بلع الآخر , وقيل إنه سمّي بلع لأنه في وقته تفيض الأنهار وتزيد الآبار كأنّ الأرض ابتلعت ماءها . وتقول العرب : إذا طلع السعد بلع ,اقتحم الرُبَع (مواليد المواشي المبكرة ) ولحق أهله الهُبَع ( المواليد المتأخرة ) وجمد الماء وامتنع , وصيد المُرَع ( طائر يشبه الدُّرَج ) وظهرت في الأرض لُمَع ( المرعى الجيّد ) . وقيل فيه:
– بسعد بلع بتنزل النقطــة وبتنبلــع
– دَشْرو عم ياكُـل مانك شايفو واقع بسعد بلع
3 ـســعد السـعود : يبدأ في 25 شبــاط :
هو أيضاً كوكبان بينهما أقل من قيد ذراع في مرأى العين وتقول العرب : إذا طلع سعد السعود ذاب كل جمود واخضرّ كل عود وانتشر كل مصرود ( البارد ) ودَفِىءكل مبرود , ويُروى إذا طلع سعد السعود نضر العود ولانت الجلود وكره الناس في الشمس القعود . وقيل فيه :
– سَعــدَك يا سعــد السعــود .
– سعــد السعود سلاّخ الجْلــود .
– بسعد السعود بتْدبّ الماوية بالعود ويدفى كل مبرود .
– بسعد السعود بعد العشا مافي قعود ( لأن الليل قصير ) .
4 ـ سعــد الخبـايــا : يبدأ في 9 آذار :
واختُلف فيه فقال بعضهم إنه كوكب حوله ثلاثة كواكب مثلّثة تشبه رجْل البطة والكوكب هو السعد والثلاثة هي الخبايا. ويُسمّى أيضاًً سعد الأخبية لخروج المخبآت فيه من الثمار والحشرات , وتقول العرب : إذا طلع سعد الأخبية دهنت الأسقية وتُركت الأجوية وتجاورت الأقنية . وقيل فيــه :
– بسعد الخبايا بتطلع العقارب والحيايا .
– بسعد الخبايا بتتفتّــل الصبايا ( يُقصد بالصبايا الحيّات والعقارب ) .
– بسعد الخبايا اطلعوا ياصبايا .
5– المستقـــرضات : وهي سبعة أيام :
وتُسمىّ ( أيام العجوز ) لأنها تقع في عجز الشتاء أي في آخره , وهي (أربعة من آخر شباط وثلاثة من أول آذار ) وسمّاها العرب الصِنّ ـ الصِنْبَر ـ وَبْرْ ـ آمر ـ معلل ـ مُطفي الجَمْر) ويشتد ّفيها البرد ويسمّيها العامّة برْد العجوز : أي الطاعنة في السن ) . وقيل فيها :
– لاتقول خلصت الشتوية حتى تخلص المستقرضات المنكيّة .
– بالمستقرضات عند جارك لاتْبـات
– غنمنا ما بتدوم حتى تروح عجايز الروم
– ما إلك طرش غنم يقوم إلاّ بعد مستقرضات الروم
– شباط يقول لآذار : ثلاثة منّك وأربعة منّي حتى نخلّي العجوز تولّي
6 ـ الحســـوم : وهي ستة أيام :
أول الحسوم 11 آذار ـ آخر الحسوم 16 آذار
7 ـ سقــوط الجمــرات : وهي ثلاثة أيام :
الأولى 20 شباط ـ الثانية 27 شباط ـ الثالثة 6 آذار
يُشار إلى أن الخمسينية تتكون من خمسين يوماً، تبدأ يوم 30 كانون الثاني/يناير من كل عام وتنتهي بتاريخ 22 آذار/مارس، وسواء كانت قصة خمسينية الشتاء والسعودات صحيحة أم لا، فهي تبقى من تراثنا الشعبي الممتد منذ مئات السنين والذي يحمل العبر والحكم والكثير من القصص.