مصالحة حماس وفتح / منى الغبين

مصالحة حماس وفتح ، وهل ستعود المقاومة للميدان مرّة أخرى
________________
مما لا شك فيه أنّ منظمة فتح أستطاعت التفرّد بالقرار السياسي في منظمة التحرير منذ وقت مبكّر, وتوافقت مع نهج الحكومات العربية الباحثة عن حلّ سلمي للقضية الفلسطينية فليس سرّا أنّ منظمة فتح مثلها مثل الأنظمة العربية التي تؤمن بالمفاوضات للوصول لحلول سلمية لتلك القضية، وليس صحيحا أنّها ترفض الوجود اليهودي في فلسطين من حيث المبدأ.
ومعلوم أنّ بقية الفصائل هي مجرد ديكور لتعددية شكلية، وهي خاضعة لفتح أو من يتماشى مع نهج فتح بقوّة المال، وقوّة السلاح إن لزم الأمر.
ومن الجدير بالذكر أنّ الأنظمة العربية صنعت لفتح ومعها أزمات خانقة لدفعها أو لتبرير اندفاعها بدخول نفق أو سرداب المفاوضات للوصول للتسوية واتفاقية أوسلو المدمّرة.
ومن الملاحظ أنّه مع ظهور ظهور الصحوة الاسلامية في الضفة الغربية وغزة في ثمانينات القرن العشرين على شكل الكتل الاسلامية في الجامعات والمعاهد، والصراع محتدم بين فتح وممثلي تلك الصحوة ورموزها، فكانت محاولات السيطرة والاحتواء أو الاستئصال والتضييق بصور شتى .
انطلقت الانتفاضة الأولى فتصدرت حماس المشهد وكانت في مقدمة المقاومين فلاقت من الاحتلال المطاردة والتضيق، مع نفرة من قبل فتح ونظرة غير وديّة، وكيد في السرّ، والعلن؛ لأنّها كادت أن تسحب البساط من تحت أقدامها، وأصبحت مقولة (م.ت.ف هي الممثّل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني) موضع شكّ، ومثارجدل.
وعلى الرغم مما لاقته حماس فقد استمرت في المقاومة، وتجذرات، وانتشرت، وأصبحت عصية على القلع أو الاحتواء.
فجاءت إتفاقية أوسلو فصنعت السلطة والحكم الذاتي، وجعلت دورها ملاحقة المقاومة بدعوى وقف العنف لتنجح الدولة فتحصل على الاعتراف من الطرف الآخر، فقامت السلطة بدورها بإخلاص ، وقدمت للاحتلال أكثر مما كان ينتظر أو يتصور.
وعلى الرغم من كلّ تلك الجهود والخدمات فإنّ السلطة لم تتحوّل إلى دولة كما كانوا يمنونهم واستمرت المفاوضات 22 سنة، ولم تقم الدولة بل تراجعت مكانة السلطة ونفوذها.
شاركت حماس في انتخابات 2006 وفازت بالأغلبية 74 مقعداً من أصل 132فتنكرت السلطة وفتح لهذه النتائج، وإن أعلنت في الظاهر قبولها، وقبلت بحكومة برئاسة هنية إلا أنهم عملوا بكل الطرق ومع كافة الجهات المحلية والدولية لإفشال وإسقاط حكومة حماس.
تعرضت الحكومة وأنصار حماس لحرب الفلتان الأمني الذي مَس كل نواحي الحياة مما اضطر حماس لتحسم الامر مع الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة بقوة القسام فسيطرت على غزة.
قابلت السلطة ذلك بالسيطرة التامة على الضفة وشن حرب استئصال وملاحقة للحركة في الضفة، فقامت بتفكيك الخلايا والمجموعات ومصادرة السلاح والأموال والقمع والتعذيب حتى مات عدد من الشباب تحت التعذيب، وأغلقت المدارس والجامعات والجمعيات وصادرت الحريات ولا تزال.
أما غزة فقد تعرضت للحصار والتضييق من الاحتلال ومن الحكم المصري منذ مبارك ، وشنت عليها الحروب المتوالية، والتي حققت فيها الحركة صموداً كبيراً سماه البعض نصراً، فراكمت أسباب القوة، والإعداد، وحققت صفقة تبادل مشرفة.
بعد نجاح الثورة المضادة في وقف الربيع العربي وتغيير الحكم في مصر، وتعطيل الثورة في سوريا وليبيا واليمن حاولوا في غزة ان يصنعوا ” تمرد” وفشلوا.
كانت خطوة المصالحة قد بدأت منذ 2011 م ، وتمّ التوقيع بينها وبين فتح على عدد من الاتفاقيات في بعض العواصم العربية، ولكن المصالحة لم تتم بأعذار واهية..
ومما لاشك فيه أنّ حماس قد ارتكبت أخطاءً تكتيكية وسياسية وإعلامية وأخطاءً في أسلوب الحكم، ولم تعطِ صورة الحكم الرشيد معذورةً أحياناً وغير معذورة في أمور أخرى..
مضت عشر سنين من الحروب والاستنزاف والتضييق وغلق المنافذ والأنفاق ومنع السفر وغيرها فأرهقت المواطن الغزي والذي لا شك قدم من التضحيات والدماء والآلام ما لا يتحمله بشر، وظلت الحاضنة الشعبية وفيةً للمقاومة برغم التضييق والحروب والبطالة ونقص الخدمات بل وفقدانها.
ومما زاد في الضيق إجراءات عباس العقابية الأخيرة والتي قطعت رواتب أسر الشهداء والأسرى والجرحى من حماس وغيرها، كما قلصت رواتب الموظفين التابعين لها والمستنكفين عن العمل منذ 2007 ب 30% من الراتب، وأحالت المئات منهم على التقاعد المبكر وفصلت كل فتحاوي له صلة بدحلان وغير ذلك، مما أضعف الاقتصاد وزاد التضييق على الناس وأصبحت الأمور على شفا الانفجار.
تعرضت تركيا وقطر بعد انحسار الربيع العربي وتقدم الثورة المضادة لحروب بطرق شتى حتى وصلت إلى إنقلاب في تركيا أفشله ثبات القيادة وتماسك ونضوج الشعب ، وتعرضت قطر لحصار شديد وحرب إعلامية وتهديد بالاجتياح أفشله ثبات القيادة وتماسك الشعب.
ومن الأسباب الرئيسية لهذه الحروب على هاتين الدولتين وقوفهما مع ثورات الشعوب ودعمها للربيع العربي، واستقبالها للفارين من بطش الحكومات الظالمة،ودعم حخكومة حماس فكان الهدف هو إخضاعهما لسياسة التيّار العربي الذاهب باتجاه التطبيع مع الاحتلال، فأثرت الضغوط على الدولتين المذكورتين بمستوى ما تجاه علاقتها ودعمها وبخاصة فيما يتعلق بحماس.
ومع ظهور مصطلح. ” صفقة القرن” تحركت قوى الاعتدال العربي لاستغلال الأجواء التي نضجت عن تقدم الثورة المضادة، والتضييق والحصار على قطر وتركيا والحصار الخانق على غزة بالاضافة لإجراءات عباس الأخيرة، ومن خلال دحلان وفريقه وأموال الإمارات ،فأمر طبيعي أن يتعل؟ّق الغريق ولو بالقشّ!
اللقاءات الأخيرة في مصر كان من أهداف حماس فيها أو منها أن تلتقي قيادة الحركة في صعيد واحد ولأول مرة بعد الانتخابات، والحديث عن احتياجات غزة وتخفيف الحصار عنها ، وبحث الخطوات الأمنية على الحدود بين غزة ومصر، والحديث عن المصالحة.
فأثمرت الحوارات مع الجانب المصريعن قرار حماس حل اللجنة الإدارية التي اعتبرها عباس سبباً لإجراءاته الانتقامية، واستعداد حماس للبدء في مشاورات وطنية لتشكيل حكومة وحدة وطنية تضم الجميع، والتحضير لإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية متزامنة.
فذهب السيسي وكما ذهب عباس إلى الامم المتحدة الأول يقول: القضية الفلسطينية بيدي، والثاني يقول: أنا أمثل الكل الفلسطيني غزة والضفة.
والمتوقع أنّ حماس كانت تسعى للتخلص من عبء إدارة حياة الشعب وتكاليفها المرهقة وبخاصة مع اشتداد الحصار والتفرغ للمقاومة والتوافق مع الفصائل على قاسم وطني مشترك في مواجهة الاحتلال وتصعيد المقاومة وإفشال محاولاته لتهويد الوطن.
لم يصدر عن السلطة بشكل رسمي مواقف مشجعة، بل كل ما يرد هو تكرار لمواقفها الساعية للسيطرة،وفرض المواقف، واحتواء المقاومة على نمط ما فعلت في الضفة الغربية.
والسؤال هل ستنجح سلطة عبّاس باحتواء المقاومة, وتركيع الجميع لتصفية القضية الفلسطينية بحسب ما تريد إسرائيل ؟؟ أم أنّ حماس ستأخذ زمام المبادرة فتعيد الثورة بانتفاضة عارمة تشمل جميع أنحاء فلسطين، فتزلزل الأرض تحت أقدام المحتلين، وتجبر المتخاذلين على وقف اندفاعهم مع الحلول الاستسلامية؟؟
الخيار الثاني أصبح متاحا بعد أن تحللت حماس من التزامها كحكومة ذات سلطة تجاه الشعب، ولاسيما أنّ الظروف ملائمة جدّا لإعادة القضية الفلسطينية إلى مسارها الصحيح.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى