مكانة السنة في الدين / د. هاشم غرايبه

مكانة السنة في الدين

كل الأنبياء كانت نبوتهم اختيارا من الله بهدف هداية قومهم، بعضهم أنزل الله عليه كتابا وبعضهم كانت نبوتهم وحيا فقط، ليس هنالك حصر لعدد الأنبياء والرسل جميعا، بل ذكر منهم خمسة وعشرون فقط، هم من أقتضت حكمة الله ذكرهم لنا وتعريفنا بهم: ” وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ”[غافر:78].
كل تلك النبوات والرسالات كانت مقدمات وتهيئة للرسالة الخاتمة التي هي الدين عند الله :”إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ”[آل عمران:19]، ولذلك لم يبق بعدها رسالات، فقد وصل الإنسان الى مرحلة الرشد وأصبح قادرا على فهم مرادات الله من الدين، وقادرا على تنفيذ تعليماته المتمثلة في الشريعة.
ولأنها النهائية فلا تعديل ولا تطوير بعدها، فقد أنزل الله كتابه الكريم القرآن مرجعا ثابتا لآخر الزمان، وحفظه من أي عبث، فيما لم يحفظ الكتب السماوية السابقة لأن القرآن يغني عنها، فهو جامع لما فيها، وزيادة حسبما اقتضته مستحدثات معارف الإنسان مما استجد بعدها.
ولأن القرآن كان فيه “تَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ”[يوسف:111]، فما كان ممكنا تبيان كل شيء إلا إجمالا، كما أن فيه ما يلزم البشر في قادم الأزمنة، مما لم يكن بوسع البشر زمن التنزيل استيعابه، لذا كان لا بد من وحي آخر، غير ما تتنزل به الآيات القرآنية، يتناول التفسير والتفصيل والإجابة على التساؤلات الآنية، والتي لم تكن معروفة آنذاك لكن سيتعلمها البشر فيما بعد، فلو ذكرت بنصوص قرآنية ستثقل على الناس حفظ القرآن لأن حجمه سيزداد، فترك الله تبيان تلك الأمور المؤقتة لرسوله الكريم بما أوحاه إليه.
ولكي لا يسأل الصحابة عن أشياء شاءت حكمة الله أن لا يبديها آنذاك، فقد علمهم تعالى أن لا يستعجلوا فهم أمور لم يبينها لحكمة أرادها: ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ”[الحجرات:1] ،ولا عن أمور لم يحن أوانها: ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ”[المائدة:121].
هكذا كان فهم النبي صلى الله عليه وسلم هو المدخل لفهم الدين، وهذا الفهم هو السنة.
وهكذا عرف المسلمون وظيفة السنة أنها:
1 – مفسرة للتشريعات القرآنية، مثال ذلك قوله تعالى في آية الوضوء: “..إذا قمتم الى الصلاة فاغسلوا وجوهكم..”، فأوضحت السنة الوضوء بأركانه وشروط صحته ونواقضه، وأنه ليس شرطا أداؤه قبل كل صلاة إذا لم ينتقض.
2 – مفصلة للمجمل منها، مثال ذلك الزكاة نزلت مجملة فكان دور السنة تبيان النصاب والقيمة وشرط مرور الحول، لكنها لم تغير في ما ورد فيه نص محدد مثل مصارف الزكاة الثمانية فلم تزد عليها أو تنقص.
3 – التطبيق العملي أمام الصحابة، كما في الصلاة والتي ورد أمر بأدائها، لكن التفصيلات من الصعب شرحها نظريا فكان أداء النبي صلى الله عليه وسلم لها أمام الصحابة على الوجه الذي تعلمه من جبريل عليه السلام درسا تعليميا تطبيقيا لهم.
وهكذا فالسنة ليست تشريعا جديدا، لذلك لا يمكن أن يأتي تشريع نبوي ليس له أصل في القرآن، ولا يمكن أن يلغي أو يبطل نصا نزل في القرآن.
إن التقول على السنة لخدمة الأهداف السياسية والذي حدث بعد عشرات السنين، قد دفع البعض إلى رفض الأدلة الشرعية من السنة المطهرة تحوطا، والإقتصار على القرآن كونه محفوظ من التحريف، وهؤلاء سُمّوا بالقرآنيين، ومنهجهم غير صحيح لأن السنة مكمل تشريعي، ولا يستقيم الأمر بدونها.
بالمقابل هنالك المغالون الذين يعتقدون أن اتباع السنة هو المحاكاة في المظاهر كاللباس واللحية..الخ ، كل هذه شكليات لا قيمة دينيا لها، فهي مظاهر نمط المعيشة السائدة تلك الأيام ولم يأت بها الإسلام، أبقاها ولم يغيرها لأنها ليست من جوهر العقيدة.
وعليه فالسنة أساسية في التشريعات لأنها مفسرة ومفصلة وتطبيقية عملية لها.
صحيح أنه لا يمكن الجزم بصحة كل موروثاتنا الفقهية، لكن من الممكن تمييز الأصيل من الموضوع منها بمدى توافقها أو تناقضها مع القرآن الكريم.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى