” مشهد معقد “
مهند أبو فلاح
أثار التقارب بين حكام أنقرة و نظام دمشق الذي جرى مؤخرا برعاية روسية كثيرا من التساؤلات عن أسباب و دوافع هذه الخطوة المفاجئة بعد سنوات من العداء السافر بين الطرفين في أعقاب اندلاع الثورة السورية في آذار / مارس من العام ٢٠١١ .
نظام العدالة و التنمية الحاكم في تركيا المقبلة على انتخابات رئاسية و تشريعية خلال الصيف القادم يبدو أنه معني إلى حد بعيد في رفع أسهمه شعبيا قبل خوض هذه الانتخابات بعدما شهدت شعبيته تراجعا ملحوظا خاصة العام الماضي عندما خسر بعض المدن الرئيسة في الانتخابات البلدية على خلفية الموقف من اللاجئين السوريين المقيمين في تركيا و البالغ عددهم وفق الاحصائيات الرسمية حوالي ثلاثة ملايين و سبعمائة الف و الذين تصاعدت حدة الموجة العنصرية المعادية لهم في طول البلاد و عرضها و المطالب بترحيلهم عن البلاد و اعادتهم إلى سورية وطنهم الأم حتى لو تم ذلك الأمر بشكلٍ قسري .
إعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم يبدو أمرا عسيرا للغاية في ظل غياب تسوية تضمن لهم عدم التعرض إلى الايذاء من قبل النظام الأسدي لذلك فإن أنقرة معنية أكثر من أي وقت مضى في التسويق و الترويج لفكرة ايجاد منطقة حدودية ٱمنة بعمق أربعين كيلومترا داخل الأراضي السورية في المنطقة الشمالية من البلاد لاستيعاب هؤلاء اللاجئين العائدين الى وطنهم .
المنطقة الآمنة من وجهة نظر أنقرة هي وحدها القادرة على ضمان عودة طوعية لهؤلاء اللاجئين السوريين الفارين من جحيم المعارك و الفقر المدقع في بلادهم و هو أمر يتطلب تحقيقه ابعاد عنصر آخر عن تلك المنطقة الحدودية لا يقل خطورة على حياتهم من النظام الأسدي القمعي الا و هو قوات سورية الديمقراطية المعروفة اختصارا بقسد .
” قسد ” التي تهيمن على مساحات شاسعة من الأراضي السورية في شمال و شرق البلاد و التي يدير مقاليد الأمور فيها عناصر مقربة من حزب العمال الكردستاني المحظور في تركيا ذو النزعة الانفصالية يشكل تهديدا مباشرا لسلامة و وحدة الأراضي التركية كما السورية و هنا تكمن المصلحة المشتركة لكلٍ من أنقرة و دمشق في إعادة بسط سلطة هذه الأخيرة على جزء من المناطق الشرقية في سورية البعيدة عن الحدود التركية و تحديدا في منطقة الجزيرة الفراتية كما عليه الحال في دير الزور مثلا المتاخمة للحدود العراقية .
تقليص حجم المساحات التي تسيطر عليها قسد و أبعادها عن الحدود التركية سيسمح لنظام العدالة و التنمية الحاكم في أنقرة من تأكيد صحة مزاعمه و ادعاءاته بأنه قادر على كبح جماح التهديد الارهابي الذي يشكله حزب العمال الكردستاني على تركيا و خاصة في أعقاب الانفجار الدامي الذي حدث في اسطنبول في الثالث عشر من تشرين ثاني / نوفمبر الماضي و راح ضحيته عدد من المواطنين الأتراك و اتهمت السلطات التركية حزب العمال بالوقوف من ورائه .
لكن السؤال المشروع و الذي يطرح نفسه بقوة ما هي مصلحة الكرملين في موسكو في رعاية المصالحة بين النظام الأسدي الحاكم في دمشق و نظام العدالة و التنمية في أنقرة ؟ و الإجابة على هذا السؤال لا يمكن أن تكون شافية وافية بمعزل عن الأزمة الاوكرانية و الحرب الدائرة هناك منذ الرابع و العشرين من آذار/ مارس الماضي حيث يعاني فلاديمير بوتين الرئيس الروسي من حرب استنزاف متصاعدة في مواجهة القوات الاوكرانية اضطرته إلى سحب العديد من الوحدات العسكرية الروسية التي كانت ترابط في سورية و إرسالها إلى الجبهة المشتعلة في اوكرانيا و هو ما يدفعه إلى البحث عن تسوية سياسية سلمية و لو بأي ثمن في سورية و الدفع باتجاه مصالحة اسدية اردوغانية في أقرب فرصة ممكنة حتى لو كان ذلك الأمر يتطلب بعض التنازلات المحتملة من قبل كلا الطرفين فموسكو لا تستطيع تأمين الدعم و الإسناد لوحداتها العسكرية في سورية دون المرور بالبوسفور و الدردنيل الخاضعة لسيطرة أنقرة و هنا مربط الفرس لفهم ما تسعى إليه موسكو من وراء مصالحة يتطلع إليها النظام الأسدي بقوة لإعادة بسط سيطرته على الأراضي الخارجة عن نطاق سلطته .