مشروع مواطن / هبة إميل العكشة

مشروع مواطن

قبل أيام كنت في حوار مع أخي الصغير, حدّثته فيه بشكل مبسّط عن معنى الفساد. و كنا قد فتحنا هذا النقاش بعد أن شاهد أخي صور أطفال قرية البربيطة الحفاة, المتروكين بلا مراكز صحيّة و بلا مدارس مؤهلة. وعندما رآني شاردة الذهن, أحملُ همّ وطني, أعطاني الحلّ السّحري للمشكلة وقال: “خلص ..هاجري”, أجبته باستهجان: أهاجر !! لن أهاجر طبعاً, فهذه بلدي !! لن أتركها !؟ و لمن أتركها؟؟ … كان ردّه سريعاً و قال باستهتار: ” ئي !! حتى لو كانت بلدك سرّاقة ؟! ”

أخافني ردّهُ, لأني أدركت أن الأردن لا يعني له شيئاً !!! و أن “الانتماء” ليس أكثر من مجرد مفهوم حفظه من أجل امتحان التربية الوطنية, و لا يهمّه حقاً إذا صَلحَ حال البلد أو انعَدَل, فهناك خيار آخر لديه, و أرضٌ أخرى يمكن أن يسكنها دون أن يشعرَ باشتياقٍ لوطنٍ أو لأرض.

لكن هل ألومُهُ ؟؟ و هو الذي وعى على أخبار الفساد و رفع الأسعار, هو الذي يشهد في كل جلسة عائلية مقدار الوجع في قلوبنا على الوطن المنهوب !! و إذا كان هذا هو حال أخي – ابن الطبقة المتوسطة – الذي يملك بيتاً دافئاً و معطفاً و حذاءً, فما هو حال أبناء الطبقات الفقيرة, و أولئك الذين يعيشون في قرىً منسيّة و مهمّشة ؟؟ هل يعني لهم الوطنُ شيئاً ؟؟ هل يستطيعوا أن يحبوا وطناً لم يبادلهم الشعور نفسه ؟

مقالات ذات صلة

ما يخيفني حقاُ هو أنه إذا كان ابن الطبقة المتوسطة – حالياً – هو مشروع مهاجر… و الهجرة عنده خيارٌ مُتاح… فإن أطفال الطبقة الفقيرة – المُجبَرين على البقاء في الوطن- هم مشاريعُ أشياء أخرى !!
يقول المفكّر و عالم الاجتماع المصري عبد الوهاب المسيري: “عندما يدرك الناس أنَّ الدولة تُدار لحساب نخبة وليس لِحساب أُمّة؛ يُصبح الفرد غيرُ قادرٍ على التضحية من أجل الوطن و ينصرف للبحث عن مصلحته الخاصّة “. و أخطر ما قد يواجه الوطن هو انصراف شخص – ليس لديه شيئاً يخسره – للبحث عن مصلحته الخاصة.

هبة إميل العكشة
hebaakasheh07@gmail.com

اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى