
#خاص_سواليف
مقال السبت 18-10-2025
#أحمد_حسن_الزعبي
الشوقُ #نوبة_قشعريرة..تصيبك فجأة ،فتدثّر نفسك بكل #الذكريات الممكنة ، بكل المقتنيات التي حملتها معك ..حتى تهدأ قليلاً ،بعد أن تتصبب حنيناً الى الشخوص والمكان..
كُنت أشعرُ بالوحدة ، في حي شعبي مكتظ بالأسيويين ، تخنقه رائحة البحر والرطوبة العالية التي تحمل معها رائحة السمك احياناً، ورائحة السولار المحترق من السفن الخشبية القادمة من ايران..بُعيد المغرب كنت انسلّ الى #مقهى_الفيشاوي ،على شارع الخليج في #دبي .. #أم_كلثوم في ذلك المقهى تعيد لي عربيّتي بــ”سيرة الحب” ،وصوت أحجار الطاولة بين أصابع المتقاعدين المصريين من سلك التعليم ،تذكّرني بأن غربتي ضربة “نرد” اما تصيب أو تخيب..الحج ابراهيم “شيخ الفطير المشلتت” يرحّب بي دوماً ويرمقني بنظرات شفقة وهو يرقّ العجيبن ويعرف أني أجلس وحيداً..رائحة الشيشة تصنع سحباً من دخان في مدينة لا تعرف الغيوم أبداً..و”السلّوم” الثقيل يعلق بملابسي لأيام طويلة..لقد أقنعني محمد المحلاّوي عامل الشيشة ، أن أدخن “السلّوم” كونه يليق بالناس الكُبّارة أكثر..وانا ابتعلت الخدعة ،كان يدخّن من شيشيتي أكثر من أي شيشة أخرى..كان يدوزن مزاجه على حسابي..
بعد ساعة او ساعتين ، أغادر الى غرفتي الضيقة غير منتظمة الأطوال ، أصوات مكيّفات “الوندو” تضجّ في الحي ، “الكومبرسرات” ترشح ماء يسيل الى الأرصفة ، لا أحد يفتح نافذته في #الصيف_القائظ و #الخريف_اللاهب أيضاَ..كنت أحرّك إبرة الراديو، علّي التقط اذاعة عمّان..تشويق تشويش ،أزيز وصوت مزعج و شهي بنفس الوقت ..شهي لأنه سفر عبر الأثير ، أعرف أن المسافة تزيد عن ثلاثة ألاف كيلو متر ، لكنّه الشوق، أعود الى هاتفي الــ” alcatel” الثقيل ، أقرأ الرسائل القصيرة على خلفية الشاشة الرمادية والضوء الاصفر، أتخيل “النص المفقود”..وأكمله في مخيّلتي أبتسم ،وانتشي … لقد أحضرت معي في آخر إجازة أشرطة فيها رائعة نجاة وحيدر محمود “أرخت عمان جدائلها”..وأغنية “أردن أرض العزم” لفيروز وكلمات سعيد عقل، ” أهداب حبيبي” لحيدر محمود أيضاَ..فأضع الشريط في المسجّل وأسافر الى #الأردن..الى #الرمثا الى #العريشة..الى وجه أمي..كان العلم فوق رأسي في غرفتي الصغيرة ، لا يعنيني أن يراه أحد غيري ، شاهده صديقي ضيف الله ذات مرة ، وعرف أني لا أزاود فيه على أحد ، ولا أريد أن أثبت فيه وطنيتي لأحد، ولا أريد أن اناكف فيه أحد، هو لي ولي وحدي ويعنيني وحدي..كل هذه #المشاعر كانت #طازجة مثل #رائحة_الزعتر، قبل ربع قرن عندما كان الوطن شابّاً وعندما كان الحب لا يحمل أكثر من معنى…أسهبت في الذكريات لأولادي الجيل الصغير واكتشفت أن مشاعري هذه مغلقة عليّ وحدي ، لم يتفاعلوا معها ولم تدمع أعينهم ..فهم لم يعرفوا من هي أم كلثوم، ولا “مكيّف الوندو” ، ولا”ال alcatel ” ، كما لم يعرفوا معني ” مسجّل” ،ولا “أشرطة” ،ولا “الرايدو” ولا حتى ابرته…
صمتُّ قليلاً ثم قلت لهم : المهم من كل هذا السرد، أودّ ان اقول لكم أن الحبّ يجب الا يفسّر، و #الوطن له أكثر من رائحة ، و #الشوق هو #الإبرة التي خاطت كل ما سبق..
Ahmed.h.alzoubi@hotmail.com