مسميات عابرة للعصور / يوسف غيشان

مسميات عابرة للعصور
في اللهجات العربية المتداولة شمالي الجزيرة العربية ، حيث كان الحكم العثماني في مركز التأثير والتأثر، من مطلع القرن السادس عشر حتى مطلع العشرين، هنا نتداول كلمات عثمانية تتسرب الى خياشيم لهجاتنا المتداولة ، ولا عرف اذا كانت ذات الكلمات قد انتشرت في بقية الدول الناطقة بالعربية( وتعبير الناطقة بالعربية مقصود تماما ، لأننا لم نعد دولا عربية عن حق وحقيق ).
نرجع لموضوعنا!
من تلك المرحلة من تاريخنا نتداول كلمات مثل : الشلاتي والسرسري، حيث نوصم ونسم بها من نعتقد انه يشذ عن اخلاقيات المجتمع، او يعتمد على الفهلوة والغش والإرتشاء لتحصيل الأموال ، ولا يمنع ذلك من ان نستخدمها على سبيل التحبب احيانا( يا لروعة لهجاتنا!).
كلمة ” شلاتي ” أو شليتي” ترجع الى العهد العثماني(كما اسلفنا) ، حيث تم استحداث مسمى وظيفي بهذا الاسم، مهمته مراقبة الأسعار والموازين في الأسواق لمنع الغش والاستغلال. هؤلاء المراقبون كانوا يسمون بالشلاتية.
وبعد فترة قصيرة- بالتأكيد- تبين أن معظم هؤلاء تمت رشوتهم من قبل التجار والباعة ، حتى يغضوا الطرف عن اساليب النصب والاحتيال على الناس ، التي يمارسها التجار والباعة، وقد علمت الدولة السنية بموضوع فساد هؤلاء.
قامت الدولة بالرد بشكل بيروقراطي ، لا يخلو من الفساد ايضا، فقد ابتكرت مسمى وظيفي جديد هو (سرسري)، ومهمته مراقبة أعمال الشلاتية، لمنعهم من الفساد والارتشاء.
بالطبع فإن التجار والباعة لم يلبثوا الا أن افسدوا ورشوا السرسرية ايضا ، فضاع الناس وضاعت حقوقهم بين الشلاتية والسرسرية…… وما زلنا منذ ذلك الزمان ونحن نستخدم كلمة الشلاتي واخو الشليتة والسرسري، للدلالة على الهامل والمرتشي ومن شابههما.
انتهت دولة العثمانية السنية ، عام 1918، ونشأت عنها دولة تركية حديثة ومتطورة، أما نحن فلم نزل نحل مشاكلنا بذات الطرق العثمانية ، فتنبثق من حلولنا مشاكل اخرى نحلها بمشاكل اخرى. وما يزال الشلاتية والسرسرية والزعران يتحكمون بالجميع.
بالتأكيد لسنا بحاجة الى مسمى وظيفي جديد لمراقبة الشلاتية والسرسرية، بل نحن بحاجة الى منهج جديد في التعامل مع الواقع.
ghishan@gmail.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى