الهامشيون / يوسف غيشان

الهامشيون
قبل 200 عام قاد الخجل المفرط لمريضة الطبيب النفسي رينيه، الى ابتكار السماعة الطبية. كان صاحبنا يفحص فتاة من مرض في القلب، لكن الفتاة أبت أن تسمح للطبيب بوضع أذنه على صدرها، كما جرت العادة في ذلك الحين، وتصادف أن وجد بجوارها صحيفة فلفها على شكل أسطوانة، ووضع طرفاً منها على صدرها والطرف الاخر على أذنه، فدهش حين سمع دقات القلب بوضوح، وما أن فرغ من فحصها حتى كانت قد اختمرت في راسه فكرة السماعة الطبية، التي يستعملها الأطباء اليوم في مختلف أنحاء العالم.
تارة بالمثابرة، وطورا بالخجل، وأحيانا بالصدفة ، تقوم البشرية بتطوير أدواتها، وبالتالي تطوير ذاتها. بالتالي تنتقل الإنسانية الى مستويات اكثر رقيا، ولولا المثابرة والخجل والصدفة وغيرها من الصفات البشرية المعتادة، لبقي الإنسان كائنا اقرب للحيوانية منه للوعي .
لكن هذه الإبتكارات تحتاج غالبا الى الوعاء ، وهو المجتمع الحي الدينامي القادر على استيعاب الجديد واحتوائه،تمهيدا للوصول الى مستويات أعلى.
نرجع لموضوعنا ، وهو نحن، ذلك الخليط العشوائي من العرب العاربة والمستعربة والمستغربة، والشعوب التي اندمجت معنا. نحن، لم نستطع ان نساهم في بناء العالم منذ انهارت امبرطوريتنا تحت سنابك خيل المغول.
ربما لو كان نيوتن عربيا ، وسقطت فوق انفه تفاحة في قيلولة ما، لكل التفاحة، او ربما قام بشج رأس صاحب البستان، ولما كلف نفسه بالسؤال حول السبب الذي جعل التفاحة تسقط، كما فعل اسحق نيوتن ، واكتشف ، جراء ذلك ، قوانين الجاذبية.
ولو كان صاحب العمل عربيا، لقام بطرد العامل الذي أخطأ خلال تصنيع القماش، وأدى ذلك الخطأ الى اكتشاف المناشف والبشاكير. ولو كان الطبيب عربيا ، لكان طرد تلك الفتاة من عيادته، ولم يكلف نفسه عناء البحث عن طريقة لفحص القلب بدون وضع صوّانة الأذن على قلب الفتاة.
نحن شعب ، لا بل شعوب وقبائل تنام على جاعد الكسل، ولا نفكر في التغيير ، عدا تغيير محطات الفضائيات لنرى العالم وهو (يغيّر) فينا كما يشاء، ونحن نمارس الدهشة فحسب.
اتذكر ذلك الأعرابي – ربما يكون من اقربائي- وهو يشاهد الطائرة اول مرة ، فينظر اليها مندهشا ويقول مخاطبا اياها:
– فعلا ، اللي صنعك فاضي اشغال.
يقصد ان مبتكر الطائرة لا عمل له، بينما قريبي الأعرابي لم يكن اكثر من مجرد راعي غنم، وربما كان يزرع قطعة ارض بالقمح، يرميه بداية العام ويحصده في منتصفه، بدون اي مجهود يذكر..ويعتبر نفسه – مع ذلك- دائم الإنشغال، ولا يسمح له انشغاله بالتفكير في سفاسف الأمور ، مثل ابتكار طائرة، او اي ابتكار اخر.
لذلك انتقلنا الى الهامش ، وصرنا شعوبا نائمة، لا يحسب لنا حساب في العالم، ولم يعد احد يكلف نفسه مشقّة التآمر علينا، فنحن نتآمر على انفسنا، ونتحول الى كائنات مستهلكة- بفتح اللام حينا وبكسرها حينا-.
وتلولحي يا دالية
ghishan@gmail.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى