مفاتيح السعادة (7) معرفة النار نعوذ بالله منها

#مفاتيح_السعادة (7) معرفة النار نعوذ بالله منها

#ماجد_دودين

بغير الفوز الذي تحدّثت عنه في حديثي عن المفتاح السادس ) الفوز برحمة الله وفضله بالجنة) سوف تكون الخسارة التي ما بعدها خسارة … تكون النار وهي كذلك ثمرة ما نبذر في الحياة … فمن يبذر الشوك يجني الجراح … ولكنها جراح لا تندمل … حيث النار كل ما بها وما يلابسها فظيع رهيب … عليها ملائكة غلاظ شداد … نار مستعرة وقودها الناس والحجارة … الناس فيها كالحجارة سواء … في مهانة الحجارة … وفي رخص الحجارة … وما أفظعها ناراً هذه التي توقد بالحجارة! وما أشده عذاباً هذا الذي يجمع إلى شدة اللذع المهانة والحقارة …

“جهنم هي المعرفة السابعة التي بدأت الحديث عنها لنتقيها … لنقي أنفسنا وأهلينا حرها وسعيرها قبل أن تضيع الفرصة ولا ينفع الاعتذار …

مقالات ذات صلة

إنها جهنم التي لا تُبقى ولا تذر ” {سَأُصْلِيهِ سَقَرَ} * {وَمَآ أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ} * {لاَ تُبْقِي وَلاَ تَذَرُ} * {لَوَّاحَةٌ لِّلْبَشَرِ} ” فهي تكنس كنساً، وتبلع بلعاً، وتمحو محواً، فلا يقف لها شيء، ولا يبقى ورائها شيء، ولا يفضل منها شيء! إنها وعيد مفزع … إنها شيء أعظم وأهول من الإدراك: ” إنّ هذه النار جزء من مائة جزء من جهنم “كما أخبر الحبيب عليه السلام … فهي نار حرها شديد وقعرها بعيد وماؤها صديد وأغلالها حديد يلقى الحجر من شفيرها فيهوي فيها سبعين عاماً ما يدرك لها قعراً …

“يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ” وبهذا السؤال والجواب يتجلى مشهد عجيب رهيب … هذا هو كل كفار عنيد … هؤلاء هم كثرة تقذف في جهنم تباعاً، وتتكدس ركاماً ثم يُنادى على جهنم: هل امتلأت ؟ واكتفيت! ولكنها تتلمظ وتتحرق، وتقول في كظّة الأكول النهم: هل من مزيد … فيا للهول المرعب … إنها جهنم … إنها النار … ” يؤتى بالنار يوم القيامة لها سبعون ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها “

تسعة وأربعون مليون ملكٍ يجرونها! الله أكبر! إنّ القرآن هو تنبيه وتذكّر فمن شاء فليذّكر ومن لم يشأ فهو وشأنه، وهو وما يختار من جنة وكرامة أو من سقر ومهانة.

“إن الكفر عمى … عمى في طبيعته … وعمى عن رؤية دلائل الحق … وعمى عن رؤية حقيقة الأشخاص والأحداث والأشياء …

والكفر ظلمة أو ظلمات: ظلمات تعز فيها الرؤية الصحيحة لشيء من الأشياء …

والكفر موت … موت في الضمير … وانقطاع عن مصدر الحياة الأصيل. وانفصال عن الطريق الواصل …

إنّ هؤلاء نتيجتهم أن يكونوا وقوداً لجهنم … حطباً لجهنم … تتلظى بهم وتزداد اشتعالاً، كما تتلظى النار بالحطب.

أهل النار … فريق ميّت مُعطّل الفطرة لا يسمع ولا يستقبل ومن ثم لا يتأثر ولا يستجيب … ليس الذي ينقصه أنّ هذا الحق – الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم – لا يحمل دليله – فدليله كامن فيه، ومتى بلَّغَ إلى الفطرة وجدت فيها مصداقه فاستجابت إليه حتماً – إنما ينقص هذا الفريق من الناس هو حياة الفطرة، وقيام أجهزة الاستقبال فيها بمجرد التلقي … هذه هي قصة الاستجابة وعدم الاستجابة تكشف حقيقة الموقف كله.

ونواصل الرحلة مع الإمام المحاسبي وهو يصف ويصوّر حال أهل النار – أعاذنا الله منها: فتوهم نفسك وقد طال في النار مُكْثُك وألح العذاب، فبلغت غاية الكرب، واشتد بك العطش فذكرت الشراب في الدنيا ففزعت إلى الجحيم، فتناولت الإناء من يد الخازن الموكل بعذابك، فلما أخذته تمزّعت كفك من تحته واحترقت من حرارته، ثم قرّبته إلى فمك والألم بالغ منك كل مبلغ فشوى وجهك وتساقط لحمه … ثم تجرعته فسلخ حلقك ثم وصل إلى جوفك فقطّع أمعاءك: ” وَسُقُواْ مَآءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَآءَهُمْ “.. ” وَيُسْقَى مِن مَّاء صَدِيدٍ يَتَجَرَّعُهُ وَلاَ يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِن وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ “.

ثم ذكرت شراب الدنيا وبرده ولذته فبادرت إلى الحميم لتبرد به كبدك كما تعودت في الدنيا فسقيت فقطع أمعاءك “… ثم بادرت إلى النار رجاء أن تكون أهون منه ثم اشتد عليك حريق النار فرجعت إلى الحميم” يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ “

”   إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلَاسِلُ يُسْحَبُونَ * فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ “…

فقدّر نفسك مع الضائعين والخاسرين لعلك أنْ تلحق بالأبرار والمقرب

“وتصور حالتك لما اشتد بك الكرب والعطش وبلغ منك كل مبلغ وذكرت الجنان وما فيها من النعيم المقيم والعيش السليم … وهاجت الأحزان وهاجت غصة في فؤادك إلى حلقك أسفاً على ما فات من رضى الله عز وجل وحزناً على نعيم الجنة …

ثم ذكرت شراب الجنة وبرد مائها وذكرت أنّ فيها بعض القرابة من أبٍ أو أمّ أو ابن أو أخٍ أو غيرهم من القرابة أو الأصدقاء فناديتهم بقلب محزون محترق تطلب منها ماءً أو نحوه فأجابوك بالرد والخيبة فتقطّع قلبك حسرة وأسفاً … ” وَنَادَىٰٓ أَصْحَٰبُ ٱلنَّارِ أَصْحَٰبَ ٱلْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ ٱلْمَآءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ ۚ قَالُوٓاْ إِنَّ ٱللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى ٱلْكَٰفِرِينَ ” فيا خيبة من هذا حاله وهذا مآله …

لد تقطع قلبك حزناً إذ خيبوا أمَلَكَ فيهم وبما رأيت من غضبهم عليك لغضب ربك عز وجل ففزعت إلى الله بالنداء بطلب الخروج منها فبعد مدة الله أعلم بها جاء الجواب ” قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ ” فلما سمعت النداء بالتخسئة لك ولأمثالك بقي نفسك من شدة الضيق والألم والحسرة متردداً في جوفك لا مخرج له فضاقت نفسك ضيقاً شديداً لا يعلم مداه إلا الله …

وبقيت قلقاً تزفر ولا تطيق الكلام ثم أتاك زيادة حسرة وندامة حيث أطبق أبواب النار عليك وعلى أعدائه فانقطع الأمل كلياً …

فيا إياسك ويا إياس سكان جهنم حين سمعوا وقع أبوابها تطبق عليهم {إنّها علَيْهم مُؤْصَدة * في عَمَدٍ مُمَدّدَة}.. ” … فعلموا عند ذلك أنْ لا فرج أبداً ولا مخرج ولا محيص لهم من عذاب الله … خلود فلا موت وعذاب لا زوال له عن أبدانهم، ودوام حرق قلوبهم …

أحزان لا تنقضي وهموم وغموم لا تنفد وسقم لا يبرأ وقيود لا تحل وأغلال لا تفك ” (إِذِ الأغلال في أَعْنَاقِهِمْ والسلاسل يُسْحَبُونَ. فِي الحميم ثُمَّ فِي النار يُسْجَرُونَ) …

لا يُرحم بكاؤهم ولا يُجاب دعاؤهم ولا يغاثون عند تضرعهم ولا تقبل توبتهم ولا تقال عثرتهم … غضب الله عز وجل عليهم فلا يرضى عنهم أبداً، فمثل نفسك بهذا الوصف لعلك أن تستيقظ فتستدرك …

تصور تلك الأهوال والعظائم بعقل واعٍ وعزيمة صادقة وراجع نفسك ما دمت على قيد الحياة وتب إلى الله توبة نصوحاً عمّا يكرهه مولاك وتضرع إليه وابك من خشيته لعله يرحمك ويقيل عثرتك فإن الخطر عظيم والبدن ضعيف والموت منك قريب. 

مثّل وقوفك يوم الحشر عريانا

                             مستعطفاً قلق الأحشاء حيرانا

النار تزفر من غيظ ومن حنق

                             على العصاة وتلق الرب غضبانا

اقرأ كتابك يا عبدي على مهل

                             وانظر إليه ترى هل كان ما كانا

لما قرأت كتاباً لا يغادر لي

                             حرفاً وما كان في سرٍ وإعلانا

قال الجليل خذوه يا ملائكتي

                              مروا بعبدي إلى النيران عطشانا

يا رب لا تخزنا يوم الحساب ولا

                              تجعل لنارك فينا اليوم سلطانا

ونرفع أكف الضراعة وندعو الله سبحانه:

اللهم ارزقنا أنفساً تقنع بعطائك، وترضى بقضائك، وتصبر على بلائك وتشكر لنعمائك وتحب أوليائك وتبغض أعداءك …

اللهم ارزقنا ألسنة ذاكرة وقلوباً شاكرة وأجساداً على البلاء صابرة …

اللهم إنا نسألك رضاك والجنة ونعوذ بك من سخطك والنار …

اللهم أغفر لنا ولوالدينا وجميع المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين وصلى الله على سيدنا محمد في الأولين وفي الآخرين وفي الملأ الأعلى إلى يوم الدين.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى