مزاد للأقلام الداجنة
شبلي العجارمة
الکاتب کاذبُُ ما لم تثبت صحة نصوصه الأدلة ,والناثر عاثرُ الحظ إن لم تتفق والذوق العام خيوط روايته ,وهنا في ذات السياق يقول الفيلسوف الصيني “کونفوشيوس” ;إذا دق الراوي مسماراً في روايته ولم يعد ليعلق معطفه علیه يجب أن يشنق علی هذا المسمار”.
کثيراً ما تبهرنا أغلفة الحکايات بالذات إن کانت لکاتبٍ مرموق من العيار الثقيل,وطالما قادتنا سراديب الدهشة لبٸر حکايته العميقة ,حتی بات جزءاً من صباحاتنا ,تأسرنا عناوينه المتجددة ,تبهرنا جرأته وتفوقه في الکلام ,علماً أنه لا يربطنا به کقراء سوی أسراب من المفردات ورفوف من الجمل المنمقة ,وما إن يلمع نجمه ويصبح ذاٸع الصيت حتی يبدأ ماراثون التسابق نحوه من قبل عدة جهات ,صحف المعارضة سواء في الخارج أو في الداخل ,علماً أن هذه الصحف تراهن علی مبادیء هذا الکاتب الزاهد عن کل مغريات الأرض والعابد في محراب القلم الطهور ولا تدفع له کل طموحاته الکامنة ,وعلی الضفة الأخری تيار المولاة أو فيما يعرف بمطبخ السياسة الأول أو الثاني أو السوبر.
باختصار السرد مزادُُ صامت يدور في الخفاء ما بين خفوت هذا القلم وسطوعه ,وقليلُُ منهم من يفضل الاستقلالية إلا ما ندر ,ففي صحف المعارضة النقية أو المشبوهة الطمع والطموح بوهج الشهرة وذيوع الصيت ,وفي مطابخ السياسة نعيمُّ أبدي الحياة ما لم يخرج عن النهج ونوعية العلف ونغمة التيعة تيعة حتی أٓخر مراحل الترويض والتدجين.
للقلم خطورة لا تقل خطورةً عن النار بجوار الزيت ,وهو سيفُُ ذو حدين إن وقع في أحضان ضماٸر جرداء من القيم ,أو انتمی لأنفس هشة تکيل الفکر المشوة والحقاٸق المغلوطة بمکاييل العلف ونوعه ودسامته لاغتيال الفهم والمفاهيم ,ولاجتثاث الوعي بأوعيته دون مراعاة للقيم الشعبية التي انطلق منها ,ودون وضعه القاعدة التي انطلق من صفرها بهمومها نصب عينيه قبل وصوله لبرجٍ من العاج ليتم تلقينه بالحقاٸق المزيفة والنوتات المزرکشة کي ينقلب من يمين الاعتدال إلی شمال المغالاة وقبحها .
عندما يتم ترويض ديکة الأقلام بصياحها الصاخب لقيادة قطيع من دجاج البقبقات التي تبيض خذلاناً وتشويه للمفاهيم وتغليط کل ما هو صحيح ونسف کل ما هو حقيقي ,سنصل لمرحلة الانفصام المشهدي والظلام السرمدي الأبدي ,وسوف يکتحل ليل أوجاعنا علی مرايا مهشمة تخدع المرواد والکحل والعين !