مروّعة الزرقاء .. نظرة من الأعلى!

مروّعة الزرقاء .. نظرة من الأعلى!
د. علي المستريحي

مع تطبيق أقصى درجات العقوبة على المجرمين، ولكنا بنفس الوقت لسنا مع تجاوز القانون برغم قصوره، وبرغم مرارة جريمة الزرقاء .. علينا أن نكون منسجمين مع أنفسنا هنا، فلا نسمح للجانب العاطفي من الجريمة أن يبتلع القانون، فلا يمكن أن نطلب تجاوز القانون بمروّعة الزرقاء، وبذات الوقت الالتزام به كمُنظّم لكل حياتنا. وبكل الأحوال، علينا ندفع جميعا باتجاه تعديل القانون ليستوعب بشاعة مثل هذا الجرائم، وبالتزامن مع إعمال تطبيقه أيضا.

ولكن المشكلة أيضا ليست هنا فقط، فلا ننسى أن هذه الحادثة الأليمة لم تحدث من فراغ، ولن تكون الأخيرة كما نتوقع، لكنها نتيجة حتمية لسياسات وممارسات حكومية كارثية متراكمة خلال العقدين الماضيين، ليس أقلّها توظيف البلطجية وأصحاب السوابق بفترة ما في قمع الحراك، وإعادة اذكاء بعض الممارسات القبلية المقيتة مثل الثأر، وتوظيف العشيرة بِخبث لتكريس ودعم منظومة الفساد (مع أنها لم تكن كذلك يوما)، والعبث بمنظومة التعليم حتى وصلت لشفير الانهيار، واقصاء وتهميش أو تهجير أصحاب الكفاءات، أو إتاحة الفرصة لهم للمشاركة ثم حرقهم للأبد ! هي مفارقات عجيبة بين التساهل مع مجرم يصول ويجول فالتا من العقاب والتشدد مع مثل معلم يطالب بحقوقه أو مع حراكي حرّ يطالب بالإصلاح ! كل ذلك أدى لانهيار المنظومة الأخلاقية والقيمية للمجتمع برمتها، وأنتج غياب الحس الوطني وضعف السلوك الجمعي الداعم لمعايير الثواب والعقاب المجتمعي، وتآكل الوازع الداخلي للفرد حتى أصبح مخدّرا لا يعنيه وطنه .. علينا أن نعترف بكل هذا، وأولى بالحكومة الاعتراف قبلنا ..

الكثير من أصحاب القرار تعاطفوا مع الضحية في مروّعة الزرقاء، وهذا جيدٌ من حيث المبدأ، ولكن الكثير منهم نسي أو تناسى أنه نفسه كان دوما جزءً من المشكلة، ولم يكن يوما جزءً من الحل بأن عمل ما بوسعه دافعا باتجاه الإصلاح !

مثل هذه الحوادث لن تنتهي ما لم تتوفر الإرادة الحقيقية للإصلاح، ولا يوجد لذلك سبيلاً إلا بفرط قطع الليغو وإعادة بناء الوطن قطعة قطعة من جديد ..

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى