مراكز استطلاعات الرأي غير مستقلة

مراكز استطلاعات الرأي غير مستقلة وتقاريرها لا تعكس اتجاهات الأردنيين نحو أداء حكوماتهم
الأستاذ الدكتور أنيس الخصاونة
تعتبر #مراكز #استطلاعات الرأي في الدول #الديمقراطية مؤسسات ذات أهمية بالغة نظرا للمهمات الحيوية التي تنهض بها في مجال الوقوف على أراء أغلبية المواطنين في هذه الدول تجاه #القضايا والسياسات والبرامج الحكومية ،وأحيانا البرامج والسياسات لبعض الشركات العملاقة أو المنظمات الخيرية والإنسانية.

من أمثلة هذه المؤسسات #مؤسسة #غالوب (Gallup Poll) ومؤسسة هارس (Harris Interactive) في الولايات المتحدة ،ومؤسسة (Populus) في بريطانيا ،ومؤسسة(Sigma2) في اسبانيا. الأغلبية الساحقة من هذه المؤسسات مستقلة تماما عن الحكومات وتقوم بعملها بشكل حيادي واحترافي دون الاهتمام بما ترغبة أو لا ترغبه الحكومات من نتائج.

عنصر الإستقلالية في غاية الأهمية إذ أن هذه #الاستقلالية تضمن نتائج موضوعية تعكس فعلا رأي المواطنين تجاه عمل الحكومات وأدائها.وقد اكتسبت مؤسسات استطلاع الرأي في الدول الغربية ثقة كبيرة سواء من قبل المواطنين أو من قبل الحكومات ،لا بل أصبحت نتائج هذه الإستطلاعات تشكل بوصلة تعكس مدى رضا وشعبية سياسات الحكومة ،وأصبحت الحكومات تعدل من سياساتها وقراراتها في ضوء نتائج الإستطلاع.بعض الحكومات ذهبت لإجراء انتخابات بلدية أو برلمانية مبكرة بسبب نتائج استطلاعات الرأي.
قبل ثلاثة شهور طالعتنا الصحف المحلية ومحطات التلفزة بنتائج استطلاعات الرأي العام الأردني حول حكومة الدكتور بشر الخصاونة وأشارت نتائج الإستطلاع إلى تراجع ثقة الأردنيين بالحكومة بعد 200 يوم على التشكيل، وأظهرت أن 57 بالمئة% من الأردنيين لا يثقون بالحكومة مقارنة مع 48% كانوا لا يثقون بالحكومة على الإطلاق منذ تشكيلها حتى الآن. وأفاد التقرير بتراجع تفاؤل الأردنيين بالحكومة من 55% عند التشكيل إلى 38%بالمئة بعد مرور 200 يوم. واظهرت النتائج أن 42 % من الأردنيين يعتقدون بأن الحكومة لم تكن قادرة على تحمل مسؤوليات المرحلة الماضية مقارنة مع 53 بالمئة% كانوا يعتقدون ذلك عند مرحلة التشكيل.
وارتفعت نسبة من يعتقدون بأن الأمور في الأردن تسير في الاتجاه السلبي من 53 % عند التشكيل إلى 58 % بعد مئتي يوم، بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية بصفة عامة، وارتفاع معدلات الفقر والبطالة، والتداعيات التي فرضتها جائحة كورونا على القطاعات كافة. وجاء ارتفاع نسب البطالة وقلة فرص العمل وتردي الأوضاع الاقتصادية بصفة عامة.نعتقد أن تقييم أداء الحكومة ربما هو أكثر سلبية بكثيرمن الأرقام التي أوردها به تقرير مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الاردنية وأن مجمل التقرير هو محاولة تجميلية لأداء الحكومة ولا يعكس التقييم الفعلي للمواطنيين ومدى رضاعم عن مستوى الأداء الحكومي.
الحقيقة لا هذه النتائج ولا استطلاعات الرأي التي قام بها مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية في السابق يمكنها أن تقنع نسبة معتبرة من الأردنيين بشعبية الحكومة ،أو تعكس مدى الرضا أو عدم الرضا عن سياساتها.يبدوا أن هذا المركز الذي يتخذ من الجامعة الأردنية مقرا له لا يتمتع بالإستقلالية الكافية لممارسة عمله وتنفيذ مسوحاته وفق منهجيات علمية وإحصائية سليمة.والحقيقة فقد بات عدد كبير من المواطنين لا يفرقون بين عمل مركز استطلاعات الجامعة الأردنية وبين عمل الناطق الرسمي للحكومة!
جميع الحكومات بما فيها حكومة الملقي وعبدالله النسور وفايز الطراونة والرفاعيين كانت تحظى بشعبية كافية ورضا عن سياساتها رغم أنها تركت جروح يصعب التئامها في ذاكرة الأردنيين.
العاملون في مراكز استطلاعات الرأي ربما يكونوا مؤهلين ولا نطعن في قدراتهم وخبراتهم الأكاديمية والمهنية، ولكننا نقف حائرين أمام ما يعلن من نتائج ونتساءل هل العينات التي أجريت عليها المسوحات الميدانية هي من داخل الأردن أم من دول أخرى ،حيث أن النسب المشار إليها للرضا والتفاؤل لا تعكس الوقائع على الأرض ،وعلى الكوادر المختصة في المركز النزول لأي شارع أو حي في العيص والمخيبة الفوقا وفقوع والجديدة وديرعلا وراس منيف وحكما والجفر لتعرف الأراء الحقيقية للناس بالحكومة وسياساتها.في نفس السياق أتساءل عما إذا كان المشمولين بالعينة الوطنية أو عينة الرأي يعطون إجابات تتناقض مع أرائهم عندما يشعرون أنهم يتحدثون مع باحثين من مركز الاستطلاع حيث يمكن أن يعتقد هؤلاء المواطنيين أن الباحثين هم موظفين يمثلوا الحكومة ولا بد من إعطائهم الأجوبة التي تمالئ الحكومة؟
نعتقد أن ثقة الأردنيين بنتائج مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية وغيره من مراكز استطلاع الرأي متدنية ،ونحن هنا ربما بحاجة لجهة مستقلة لمعرفة مدى ثقة الناس بعمل ونتائج استطلاعات هذه المراكز.من ناحية أخرى فإن النتائج غير الدقيقة لاستطلاعات هذه المراكز تضلل الحكومة وتخدعها مما يجعلها تعتقد بأنها تتمتع بشعبية مزعومة ورضا غير حقيقي في الوقت الذي تسيطر على بعض المواطنين وخصوصا من شرائح الطبقتين الوسطى والفقيرة مشاعر اليأس والتشاؤم جراء انخفاض مستويات المعيشة وارتفاع معدلات الضرائب والرسوم . الأردن بحاجة ماسة وعاجلة لمركز مستقل لإستطلاعات الرأي بحيث يتمتع هذه المركز بكافة المتطلبات القانونية والبشرية والإدارية والفنية الكفيلة بقيامه بالوقوف على مؤشرات حقيقية وصادقة لاتجاهات الأردنيين نحو عمل وسياسات وقرارات حكوماتهم في شتى المجالات.الحكومات لن تبقى في السنوات المقبلة جهات تفرض على الناس سياساتها وقرارتها دون حسيب ،وأعتقد بأن جلالة الملك سيرعى عملية تحول في السنوات القادمة تفضي إلى حكومات برلمانية حزبية تضمن استقرار الأردن ونظامه السياسي وهذا بالطبع سيتطلب مؤسسات استطلاع رأي حقيقية تظهر رضى الشعب عن الحكومات وأدائها فهل من مدكر!.

مقالات ذات صلة

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى