مراحل تطور نظرية الاجتثاث
إن نقطة بدء الاجتثاث التاريخي الأول في العصر الحديث كانت بعد ١١ أيلول من عام ٢٠٠١م ، حيث تشكل محوران ، المحور الامريكي الداعي الى الخير وهدفه باطل، والمحور الآخر هو “محور الشر” حسب ما يراه الامريكيون الممتد من أفغانستان الى الشرق الأوسط .
أُعلنت “محاور الشر” ومحاور الخير واُستخلصت قوانين الارهاب لِتُطبق على “محور الشر” المزعوم، وتم من خلاله استئصال نسبة هائلة من قبائل الباشتون المعتدلين بحجة ارهاب المتشددين منهم في افغانستان، وتم القضاء على دولة ذات مركز ثقل استراتيجي بحجم العراق وبدأت مرحلة اجتثاث سنة العراق بحجة اجتثاث البعث حيث أصبح كل مدني موصلي عربي وانباري هو ارهابي ، لم تبق الفكرة محصورة في مناطق الصراع بل تطورت لتقسم الثورات العربية بين ارهابي وانساني ، تهاوت على إثره ثورات وتعمدت بدمائها انقلابات بشهادات ميلاد دولية.
بعد فصل قانون الإرهاب المزعوم بين “الخير والشر” الأمريكي، بدأت نظرية الاجتثاث تدخل الى كل بيت عربي ، وبدأ الاقتناع بكذبة السياسة بكيل الاتهامات لكل مشروع مقاوم في المنطقة، الانظمة استوحت الفكرة الامريكية وبدأت بإجتثاث افكار حتى المسالمين من المسلمين والمنعزلين في مساجدهم ، والغريب بالأمر أن اصحاب النظريات الليبرالية من المتعلمنين المنادين بالمدنية والتقدم والإزدهار شدوا على يد انظمتهم المستبدة من العسكر والجنرالات لاجتثاث من يعادي فكرتهم مع علمهم المسبق بحجم الاستبداد الذي يمارس بحجج سياسية واهية .
وصلت فكرة الاجتثاث الممنهج الى رقاب المسلمين المعتدلين ،وبالرغم من اعتدالهم شرعت الأنظمة بتغيير مناهجهم الدينية والتراثية والثقافية، حتى اُجتُثت الكلمة تمهيدا لاجتثاث العقل العربي وعزله عن تاريخه ومحاصرة مستقبله ، فكان ناتج قسمة الثورات على المصالح الدولية هو تفتيت المنهاج الوطني العربي المعتمد على الدولة الوطنية وتحوله الى كيانات تتصارع مع بعضها فاقدة لتراثها الحضاري، واكتسبت الشعوب ثقافة الكراهية فيما بينها جعلتها تتصارع حتى على الكلمة .
إن حجم الكراهية التي اوجدتها ثقافة اجتثاث “محور الشر” المزعوم جعلتها تقاتل بالنيابة عن أمريكا واسرائيل بعد عام ٢٠٠١م، واُستُخدمت منصات التواصل الاجتماعي والاعلام المسيطر عليه لكيل كثير من خطابات الكراهية باتجاه واحد وهو الدين، وحُيّد العقل العربي لينادي باجتثاث من ليس لهم علاقة حتى بالصراعات السياسية ،فإجتمع الديمقراطي والمدني والمستبد وحتى الارهابي المؤدلج في خندق واحد ضد التنظيم الاخلاقي للدولة الواحدة وضد المعتدلين فيها ، وما صراع الكلمات والاعلام والمحطات الفضائية حول الدين والعلمانية في الدول العربية الا نتاج مراحل من الاجتثاث الاول والتاريخي الذي اخترعته الدول التي تدعي الديمقراطية والمدنية على مدار فقط عقدين من الزمن منذ عام ٢٠٠١م ، وفي النهاية فإن الفكر العربي الواعي المبني على العدل مدنيا ودينيا يجب ان يبدأ بالتشكل لوقف اجتثاث الآخر الناتج عن الكراهية المغطاة بثوب المدنية والمساندة لعصا الاستبداد العسكرية في آن واحد !!!!