مراجعة الحسابات / د.هاشم غرايبه

مراجعة الحسابات

عندما أراد الله لهذه الأمة أن تكون خير أمم الأرض، اشترط لدوام هذه المنزلة أن تبقى نموذجا ومثالا للخيرية باتباعها منهج الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ومن لوازمها أيضا، اجتماع الأمة وعدم تفرقها شيعا وفرقا متصارعة، كما حدث مع من أنزلت عليهم الرسالات السابقة.
ففي قوله تعالى:” وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ ۚ وَأُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ” [آل عمران:105]، بيان لسبب غضب الله عليهم وتوعُّدهم بالعذاب العظيم، وهو التفرق الى مذاهب حادت عن الصراط المستقيم، ثم اختلف المتحزبون وتقاتلوا.
يبدو أن ميل البشر الى الإختلاف أقوى من ميلهم الى الإتفاق، لذلك ورد في السنة المطهرة الكثير من التحذير من ذلك، وبينت أن السبيل الوحيد لتحصين المرء من الإنجرار وراء أمراء تلك الفرق الضالّة المُضلّة، هو التمسك بالكتاب والسنة فقط.
في أواخر رمضان، فرصة لمن صام إيمانا واحتسابا، طلبا لرضى خالقه وخوفا من عقابه، أن يعمل مراجعة وجرداً لحسابه مع الله .
لا يمكن أن يطمئن المرء إلى أنه من الفرقة الناجية، إلا بامتحان نفسه بأسئلة ثلاث:-
1 – هل يتبع منهجا غير ما أورده الكتاب والسنة؟، الكتاب بيّن أركان العقيدة والحلال والحرام، والتشريعات، والسنة فصلتها ولم تزد عليها أو تنقص منها، وكل ما عدا ذلك فاجتهاد قد يصيب وقد يخطيء.
2 – هل يحب أحدا أكثر من حبه لله ورسوله، وهل يبغض أحدا من أحبة رسول الله وهم زوجاته وبناته وأصحابه؟.
3 – هل سفك دم مسلم قصداً أو تنفيذا لأمر أو شارك بذلك أو حرّض عليه أو أيّده؟، فذلك هو أخطر من الأمرين السالفين، بدليل قوله تعالى: “وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا “[النساء:93]، لأن هؤلاء ممن توعدهم الله باللعن أي طرده من رحمته.
ويجب أن نلاحظ أن الله تعالى لعن قاتل النفس المؤمنة على إطلاق الحال، أي أنه ليس هنالك استثناء مما ورد في آية القصاص :”.. مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا..” [المائدة:32]، فقتل النفس المؤمنة محرم حرمة قطعية، ولا تجوز إلا أن تكون اقتصاصا بعد محاكمة شرعية وثبوت الجرم، وفي حالتين فقط لا غير، الأولى: أن يكون قاتلا لنفس مؤمنة عدوانا أو انتقاما، والثانية أن يكون قتل بهدف الإفساد في الأرض، يعني الذي يقتل لتحقيق مغنم كالسطو المسلح، أو لتثبيت سلطته رغما عن إرادة الرعية، ومثال على ذلك الذين يطلقون النار على المحتجين على الحاكم لقمعهم، أو يقصفون الأحياء السكنية، بذريعة محاربة الإرهاب.
لكن يجب التنبه أن القصاص لا يتم اغتيالا أو بإجراء مسلح من شخص أو جماعة، بل تنفيذا من سلطة شرعية لحكم قاض شرعي.
إن غضب الله على من أمر أو نفذ أمرا أو حرّض على قتل مسلم، كائنا ما كان ذنبه، لا تطفئه العبادات ولا الصدقات مهما عظمت، بدليل أنه قد يغفر للعاصين وحتى الكافرين، الذين قد تكون عقوبتهم غير مؤبدة: “لابثين فيها أحقابا” [النبأ:23]، بينما القاتل خالد في النار، كإبليس تماما، الذي هو مؤمن وعبَدَ الله حقبا طويلة، لكنه لم يستغفر لعصيانه ، ولم يتب عن خطيئته، لذا سيكون مخلدا في جهنم، ولا يناله عفو ولا تطاله الرحمة.
من يظن أنه واحد من الثلاثة الآنف ذكرهم فليحذر، وليراجع نفسه قبل فوات الأوان، ومن وجد أنه ممن يتبعون أحدا من الضالين المضلين خوفا أو طمعا أو إرصادا بدين الله، فليعلم أن حمقه هذا لن يشفع له إذ سيحشر معهم.
المسالة جدّ خطيرة، أن يقضي المرء عمره مسلما عابدا، ويظن نفسه يحسن عملا، ويأتي يوم القيامة وعليه أوزار من أضلهم لمصلحة، أو اتبع مذهبا ضالا كان يظنه الأقوم، ويجد عمله “..كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّىٰ إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ..” [النور:39].
فبعد الموت الذي لا يعلم المرء متى سيباغته، لا مراجعة ولا توبة.. ولات حين مندم.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى