مذکرت مواطن کوروني لا مبالي
شبلي العجارمة
أنا المواطن الكوروني المستهتر واللامبالي رقم صفر ,لقد أقنعوني بأن کورونا هي مٶامرة أمريكية صينية من أجل التنافس علی بسطات الأسلحة ونشرات الأسهم والنفط,وأن کل ما يحدث هو عبارة عن سيناريو صغير يتم تمثيله علی مسرح العالم الکبير ترافقه جوقات الإعلام وطبول الصحافة وفلول التجار الجشعين ,کنت مثلکم أستمع للمٶتمرات الصحفية والتحذيرات ثم أستمع لتحليل بعض البسطاء المسطحين بأن المسٶول داٸما کاذب ومظلل ومنافق ,قالوا لي لا تصدق أبداً فکورونا إن وجد فهو خرافة تم تضخيمها من الغرب والمافيات الطبية وما هو إلا مجرد رشح وزکام أقل من عادي ,فقط اليانسون والليمون وبعض أقراص المضاد الحيوي وتنتهي ,قالوا لي إن الحکومات تريد جنازةً کي تشبع لطماً بها وداٸماً ما تبحث عن حجج وذراٸع من أجل تمرير قوانين مجحفة وقرارات ملوثة وسياسات ظالمة وجاٸرة ,هکذا قال لي السفسطاٸيون باعة الکلام ومنظروا المأتم والأعراس وکل تجار بسطات التشکيك في كل النوايا السليمة والسقيمة,هکذا بقي الحال وإلی هنا وصل الحال بي, حتی صرت أحد الأعداد الإحصاٸية ضمن ضحايا کورونا المفترس وبت رقما وطنياً وعالمياً مجهول بلا اسم وبلا عنوان فقط أصبحت رقم ضمن منظومة عالمية وربما سأصبح بعد لحظات في عداد ضحايا کورنا المستجد و ومضة خبرٍ عاجلة بأول وفاة في وطني وأول ضحايا الکوورنا .
وها أنا بعدما افترسني فايروس کورونا ,صرت جسداً بالنسبة للعالم فاسداً ونسمة تشکل عبٸاً للجميع,لقد عزلوني عن أطفالي وزوجتي ونفوني من بيتي بلا ذنب ,حتی عاٸلتي فرحت لعزلي وصاروا شٶما لمحط أنظار الجيران والشارع والحي والحارة ,صرت کالبعير الأجرب الذي بقي علی منازل من رحلوا من القوم ينتظر الموت ويصارع المرض ويعد أنفاسه الباقية.
حتی الذين خدعوني باستهتارهم وأقنعوني بمٶامرة کورونا التي اتخذتها الحکومة ذريعة للعبور لمأربها الرمادية,کلهم غادروني وانزووا عني ولم يسألوا بي ,حتی الممرضة تعاملني من خلف بزة معزولة وکأنها روبوت ألي يعمل دون مشاعر وبلا تودد,لم تثنني نشرات الأخبار ولا النشرات التثقيفية ولا حتی المٶتمرات الصحفية لوزيري الإعلام والصحة ,لم أکترث لکل الندوات والنصاٸح لم ألق بالاً لحظر التجول وعبارات خليك بالبيت ,إلزم بيتك ,إحمي نفسك تحمي وطنك ,كل ذلك لم يجد نفعا معي ولم يكد يخترق مسامعي أو حتی يشغل فکري ولو للحظة ,لقد خرجت في نزھة مع أصدقاٸي وتنفست من أرجيلتي فوق روابي بساط قريتي الأخضر ,اختلطت ومارست المصافحة والتقبيل والعناق مع الناس لدرجة أنني ثقلت دمي كثيرا علی بعضهم ,اعتبرت الکمام الواقي لجام وأنا حصان حر لا يمکن لجمه برقاقة من ورق ثمنها عشرة قروش ,وکلما صافحني أحدهم بقفاز اتهمته بالکبرياء والعجرفة وداء حموضة الأنفاس,زاحمت الجميع علی طوابير الخبز کنت أبحث عن مواطن الزحام وألقي بأنفي بوسطها ,أظهرت بطولتي واستسخفت من خوف الناس وللت من شأٛن حذرهم ورعبهم وانحباسهم في بيوتهم ,مارست کل ما يحبط جهود التثقيف وعصيت کل مواعظ النساك وضربت بعرض الحاٸط کل ما سمعت ورأيت وعاصرت.
وها أنا الأن وأنا تحت رحمة هذا الحقير کورونا الذي استعمر لامبالاتي وکل حماقاتي أحدثکم اليوم بعدما صار عبث كورونا ينهش رٸتي ويجثم علی صدري بلا رحمة ,بعدما کنت في حلٍ من أمري وبوسعي أن أحتبس بين جدران بيتي الأربع مع زوجتي وأطفالي أبيت الأن حبيسا لماسك الأکسجين ورهين کل هذه الأنابيب والأسلاك والعقاقير,أرقب العالم علی شاشة حمقاء وکثٛيراً ما يشوش صوت رٸتي وصدري ونفسي علی مسامعي صوت مذيع نشرات الأخبار.
أحدثکم وأنا أری کل قماشٍ أبيض حولي هو کفني المنتظر وأخر ما تبقی لي للقاء الله ,أفکر في مراسم الموت صندوق شاحنة معقم ومغلق وساٸق وعاملان بلا مشيعين ,ما يلزم فقط هو متران من التراب ومجرفة ومعول لحثو التراب علی جسدي المنبوذ من بين الأحياء وحتی الموتی ,بلا نظرة أخيرة للوداع من زوجتي وأطفالي ووالدتي , بلا بيت عزاء فکورونا لا تترك ۭۭمعالم ولا حتی عناوين لفراٸسها ,فقط سيکتفي أصدقاٸي بوضع صورتي علی شاشات الإلکترون وعبارات الموت الجاهزة من العم جوجل وسينتهي الأمر,أما زوجتي وأطفالي فسوف ينتحبون ويعلقون صوري بعد هزيمة کورونا في صدر البيت تخليدا لذکراي .
شکرا للممرضة روان في مستشفی العزل لمصابي كورونا التي استجابت لرغبتي الأخيرة حين طلبت منها بأن تکتب لي هذه الکلمات وتجربتي التي لم أٛستطع التحدث عنها لکم عبر صفحتي الخاصة ولا وساٸل الإعلام والوقت يحاصرني ويقضم عداد أنفاسي المتبقية,استمعوا لوزير الإعلام فالرجل لا يکذب عليکم بقدرما يبکي من أجلکم وسعد جابر وزير صحتکم الذي يحاول إنقاذ ما يمکن إنقاذه إن سبق إليکم قبل وصول العبث والاستهتار واللامبلين إليكم مثلما حصل معي وقبل إرسالها لصديقي الکاتب الذي طالما تابعت أثير صفحته وقد عزلتني كورونا حتی عن الإعجاب أو التعليق له,لکني أثق أنه لن يحبس هذه الرسالة مثلما تحتبس أنفاسي الان حلف کل هذا العالم الأسود المخيف.
