مدارسنا إذ تضاهي المدارس الأوروبية!

شروق جعفر طومار

مدارسنا إذ تضاهي المدارس الأوروبية!

شروق جعفر طومار

في كانون الأول الماضي، زرت المدرسة الأساسية في بلدة المنسف الواقعة في أحد الأطراف المنسية لمحافظة مادبا. كنت شاهدت فيديو صادما يصور المدرسة، لم أصدق حينها أن ما شاهدته في الفيديو يمكن أن يكون حقيقياً. ولكنني حين زرتها أيقنت أن الصور لم تكشف الحقيقة كاملة.

مبنى قميء صغير بلا أسوار، يضم غرفاً صفية رثة، شبابيكها بلا درف، يغلقها المعلمون بكراتين في محاولة بائسة لصد برد كانون عن أجساد الطلبة الهشة. حمام رديء بسقف زينكو تدلف منه مياه المطر، مشارب بالية قذرة تعوفها الدواب، وحفرة امتصاصية مكشوفة وسط الفناء من الممكن أن تبتلع أي طفل أغفله لهوه عن المرور قريبا منها بكامل الحذر.

مقالات ذات صلة

الأسبوع الماضي، قفزت إلى ذاكرتي هذه المشاهد بكل تفاصيلها المأساوية، عندما قرأت تصريح أمين عام وزارة التربية والتعليم سامي السلايطة بأن مدارسنا الحكومية تضاهي الأوروبية بجودة التعليم والمباني!

لن أتحدث عما هو موجود في أوروبا، فهذا واضح للعيان من خلال الصفوف النموذجية، والبيئة المدرسية الآمنة التي تولي عناية فائقة لعملية التعليم ككل. ويكفي أن ننظر إلى ترتيب بعض الدول الأوروبية في جودة التعليم المدرسي لنرى المكانة التي وصلوا إليها، ففنلندا حلت ثانيا على مستوى العالم، والنرويج ثالثا، واستونيا سابعا، ولاتفيا ثامنا، والسويد عاشرا، يليها ليتوانيا، الدنمارك وإيرلندا.

لكن، وبصراحة تامة، فإن تصريحا كهذا لا يمكنني وصفه إلا بكونه غير مسؤول، ومجافيا للحقيقة، ولا ينظر بموضوعية إلى المشكلات الجسيمة التي تعانيها معظم مدارس المملكة الحكومية في أوجه عدة، بدءا من المباني المتهالكة وغير الصالحة لعملية التعلم، مرورا بالمعلم المثقل بالأنصبة وأعداد الطلبة المرتفعة، وانتهاء بمخرجات العملية التعليمية المجمع على أنها باتت ضعيفة، وغير صالحة لمتطلبات العصر، وهو ما دفع بالدولة أخيرا لاتخاذ قرار “بطيء” بتغيير المناهج وتطويرها.

بالتركيز على ملف المباني المدرسية، موضوع حديث أمين عام الوزارة، والتي يشبهها بما هو موجود في أوروبا، فلا بد هنا أن أذكره بالتعميم الذي أصدره وزير التربية والتعليم بالوكالة بسام التلهوني نهاية العام الماضي، ويطلب فيه إخلاء جميع المدارس التي توجد فيها سلبيات بيئية تهدد سلامة الطلبة وأعضاء الهيئة التدريسية، وللمفارقة، فإن من صرح للإعلام حول هذا الأمر في حينه كان السلايطة نفسه!!

وللمفارقة أيضا، فإن التقرير نصف السنوي الإحصائي للصحة المدرسية لوزارة الصحة وجد العام الماضي أن نحو 63 % من المدارس الحكومية التي تم الكشف عليها تشتمل على سلبيات بيئية “متعددة المستويات”، أي ما مجموعه 2456 مدرسة من 3902 مدرسة حكومية.

كما بين التقرير الذي نشرته “الغد” في حينه، أن أكثر الأمراض انتشارا بين طلبة المدارس الحكومية هي الأمراض المتعلقة بالنظافة الشخصية، إذ سُجلت 9894 إصابة بمرض التقمل، و1483 بالفطريات، و201 بديدان معوية، و412 إصابة بالجدري، و27 بالجرب، و5 بالتهاب الكبد الوبائي، و25 بالنكاف، بمعنى أن المدرسة، بما تتضمنه من بيئة تربوية، لم تستطع أن تؤسس لثقافة النظافة الشخصية لدى الطلبة، كما لم تنجح في مسائل العزل الصحي.

ناهيك عن وجود العديد من المدارس غير الآمنة، لوجود تشققات في الأسقف والجدران، ما يشكل خطرا حقيقيا على سلامة الطلبة والمعلمين.
أما الكارثة الحقيقية التي لم تستطع الدولة التعامل معها حتى اليوم، فهي مسألة الاكتظاظ الطلابي داخل الفصل الواحد، ما يفتح الباب أمام ضعف التحصيل العلمي، ويمنع توفير مناخ تعليم صحي.

مشاكل المدارس الحكومية الخطيرة لا يمكن حصرها في مقال قصير كهذا، والأخطر منها هو انكارها بهذا الشكل الصارخ، خصوصا من قبل المسؤولين الذين يفترض بهم أن يعالجوا الاختلالات ويتجاوزوا التحديات، فإن كانوا هم أنفسهم لا يرون أيا منها، فكيف لنا أن نصلح الواقع المتردي، وأن نقفز بخطوات سريعة إلى تعليم المستقبل!!

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى