محمد جمال عمرو .. على الكاتب إعادة ترتيب أوراقهِ والسعي إلى رؤية مهمته الأدبية بمنظار جديد

* الشاعر والأديب محمد جمال عمرو…. عمرو على الكاتب إعادة ترتيب أوراقهِ والسعي إلى رؤية مهمته الأدبية بمنظار جديد
سواليف خاص _ ديما الرجبي

من مهندس معماري إلى كاتب له باع طويل في أدب الأطفال، بين تأليف القصص والسيناريوهات والأشعار والمسرح والأغنيات والمسلسلات الإذاعية والدراما التلفزيونية .. فكانت حصيلة مؤلفاته أكثر من مئة وخمسين مؤلفة مطبوعة في العواصم العربية، والمكتبات والمعارض والمراكز والنوادي التعليمية التثقيفية، ونشرت أشعاره في مناهج اللغة العربية في دول عدة.
هو لا يكتب للكبار، لإيمانه بأن التأسيس يبدأ بالطفل، وأن الخوض في عوالم الطفل يخلق دافعاً لدى الكاتب في تحسين مجتمعه ومحيطه، بصمة الأستاذ محمد جمال عمرو في الكتابة للطفل تختلف عن غيرها بكونها تعليمية إرشادية ترفيهية، وقد استطاع المهندس محمد جمال عمرو تصميم مستقبل الطفل بحرفية وأمانة، ودخل بمنشأته الجميلة قلوب الأطفال من خلال حلقاته التفاعلية في القراءة والورشات التدريبية والمؤتمرات المعنية بتطوير الطفل المعاصر وتثقيفه.
وكاتبنا عضو رابطة الكتاب الأردنيين واتحاد الكتاب العرب، واتحاد كتاب آسيا وإفريقيا، وعضو الرابطة الوطنية لتربية وتعليم الأطفال، ورئيس لجنة أدب الطفل في رابطة الكتاب الأردنيين، وعضو مؤسس في الفرقة الأردنية لمسرح الطفل، ورئيس تحرير مجلة وسام التي تصدر عن وزارة الثقافة الأردنية .
* الأديب محمد جمال عمرو يتقلد منصب ” رئيس تحرير مجلة وسام ” نبارك لك هذا المنصب، ونود أن تطلعنا على جديد المجلة، وما هي أولى الخطوات التي سوف تقوم بها؟
– مجلة وسام هي مجلة الأطفال الرسمية الأولى، مما يكسبها الأهمية ويمدها بالعمر الطويل في زمن توقفت فيه مجلات أطفال محلية وعربية كثيرة، ومنذ أن صدر العدد الأول من مجلة وسام سنة 1983 عن دائرة الثقافة والفنون قبل أن تصبح وزارة، ونحن نتطلع إليها ونسعى إلى تطويرها من خلال الإسهام بالكتابة فيها أو إسداء النصح والمشورة للزملاء القائمين عليها، حتى جاء القرار بتكليفي برئاسة تحريرها، وتكليف زملاء قديرين بالعمل معي في هيئة التحرير، وآلينا على أنفسنا ابتداءً أن نعقد اجتماعاً دورياً أسبوعياً، نناقش فيه المجلة ونضع المقترحات والتصورات لتطويرها، ولعل من الجديد الذي أحدثناه أن مادة المجلة قد غدت مشكولة تيسر على الطفل قراءتها، وتحببه بها، وأننا انتقلنا بالمجلة من مرحلة تلقي أعمال الكتاب للنشر، إلى مرحلة استكتابهم لكتابة ما يتفق مع مضامين أعدادها، وفق سياسة وضعت لتلبية احتياجات قراء وسام.
*هل لك أن تطلعنا على دور الأديب في المجتمع؟ وما رأيك في ابتعاد بعض الأدباء عن جمهورهم؟
– الدور المفترض للأديب في المجتمع دور كبير فاعل ومؤثر، إلا أنه يخضع لعوامل مؤثرات عدة تجعل الأديب أمام خيارات صعبة، فإما أن يتوافق مع هذه المؤثرات والمعطيات، دون التفات إلى ثوابت يضطر للتنازل عنها، وإما أن يثبت على ماهو عليه من المبادىء والقيم مهما بلغ ثمن هذا الثبات.
ومن الواضح أن الساحة تخلو من نموذج الكاتب الذي يشكل علامة فارقة في المجتمع، فيحرك بقلمه الرأي العام، أو يسهم في صنع قرار أو العدول عن آخر، وقد حطت بنا الرحال في محطة مفصلية تتطلب من الجميع عموماً التفكير بالجميع، وتتطلب من الكاتب على وجه الخصوص إعادة ترتيب أوراقه، والسعي إلى رؤية مهمته في الحياة بمنظار جديد يضمن له احترامه لذاته على الصعيد الشخصي الإبداعي، ويعيد إليه صوته القوي الفاعل في دروب الحياة.
* هل لك أن تقيم أدب الطفل من حيث المضمون والرسالة في السنوات إلأخيرة؟
– ليس من السهل علي الادعاء بأنني في منزلة من أدب الطفل- هذا الصنف العظيم من الأدب- أسمح لنفسي فيها أن أكون مقوماً لما أُنتج للطفل العربي من أدب في السنوات الأخيرة، لكنني ككل الغيورين على ثقافة الطفل عموماً، وعلى أدبه على وجه الخصوص، أبيح لنفسي أن أبدي ملاحظات من قبيل الحرص على أدب الطفل العربي، والسعي إلى الارتقاء به إلى مصاف أدب الطفل في الغرب.
ولعل الملاحظة الأهم في نظري في هذا السياق هي كاتب أدب الطفل العربي اليوم، فكما نجد الكتاب المبدعين الذين أثروا مكتبة الطفل العربي بإبداعاتهم، فإننا نجد أدعياء أدب الطفل، الذين نظروا إلى الطفل بعين الزهد في ذاته والتقليل من قدرته، فكتبوا له ما ظنوه أدباً، دون الاطلاع حتى على شروط الكتابة للطفل، ودون وعي بعالمه الواسع، أو التفات إلى حاجاته وصفاته.
ومن الأخطار التي تتهدد أدب الطفل وتتطلب الوعي والحذر، تلك المنافسة الشديدة له والمتمثلة في الوسائط التقانية الحديثة، والألواح الرقمية التي تقدم للطفل محتوى لافتاً لانتباهه مشبعاً لحواسه كلها، وهو ما يتطلب وقفة جادة لبحث سبل توظيف هذه الوسائط لخدمة أدب الطفل، ووضع الأنشطة والخطط الكفيلة بإعادة الكتاب- الذي هو من أهم أوعية أدب الطفل- إلى المكانة التي تليق به، وحمايته من المنافسة غير المتكافئة مع تلك الوسائط المستحدثة.
*هل تعوّل على الكتاب الشباب الذين ظهروا على الساحة في الآونة الأخيرة؟ وهل تعتقد بأن الكتابة أصبحت على قارعة الطريق فأي كان يستطيع أن يمتهن رسم الحروف؟
– ما من شك في أن ساحة أدب الطفل قد شهدت مؤخراً تزايداً في أعداد الكتاب الشباب الذين اتجهوا للكتابة للطفل، وقدموا أعمالاً تراوحت بين القوة والضعف، وربما تعدى بعضها إلى الخطيئة والجريمة في حق الطفل القارىء، ولعل مرد ذلك إلى افتقارنا إلى هيئة ذات سلطة تستعين بالخبراء والأكاديميين في مجال أدب الطفل، تحال إليها مخطوطات هؤلاء الهواة، وتخضع لمعايير أدب الطفل قبل أن يسمح لهؤلاء بنشرها وتقديمها للطفل.
وحديثنا عن المؤلفين الناشئين في مجال أدب الطفل، لا يمنع من أن يكون من بينهم مبدع شق طريقه قويما مستقيما، فأصبح لزاماً علينا أن ندعمه ونؤازره.
*لماذا تفضل التفاعل المباشر مع الطفل في قراءاتك القصصية وأنشطتك، ولا تحبذ وجود العرض الرقمي ” الداتا شو ” في أنشطتك؟
– أرى أن قراءتي للأطفال في الأنشطة التي أقدمها لهم، هي عملية كيميائية فسيولوجية في الوقت ذاته، فيها تنصهر روحي في أرواحهم، وأغرف لهم قصصي وأشعاري من صميم ذاتي، وأسكبها في وجدانهم، وأرتقب بشوق وسعادة القبول في بريق عيونهم، فكيف أتنازل عن هذه اللحظات السعيدة لشاشة ” الداتنا شو”، إنني ما تقاضيت يوماً فلساً لقاء أنشطتي التي أنفذها للأطفال، لكنني تقاضيت ما هو أجمل من ذلك وأثمن، تقاضيت الفرح في وجوههم والسرور في حروف ثنائهم وشكرهم لي، وحسبي ذلك.
* كنا سابقاً نسمع بدعم الجهات الثقافية للكاتب، وكانت طباعة مؤلفات الكتاب متاحة إلى حد معقول للأغلبية، وكانت الندوات والمحاضرات مدفوعة الأجر، فما الذي استجد حتى أوقفت المؤسسات المعنية دعم المثقفين، عدا حالات محددة وربما لاعتبارات لا نعلمها؟ فلماذا هذا الشح المفاجىء في الدعم؟
– سؤالك يقودنا إلى سؤال أسبق طرحه القائمون على مؤسسات ثقافية أردنية، وتساءلوا فيه عن الدور الذي ينبغي أن تؤديه المؤسسات الثقافية، هل تنتج الثقافة أم ترعاها؟ هل تتبنى المثقف وتدعمه بكل ما في الكلمة من معنى؟ أم تنشىء معه علاقة تشاركية يقوم فيها كل منهما بالدور المنوط به؟ وأنا أرى أن المثقف لابد من أن يقف في المنتصف، فلا يحسن به أن يركن إلى دعم المؤسسات الثقافية له، ولا يحسن بتلك المؤسسات أن تقول له: إذهب أنت وربك فقاتلا.
من جانب آخر، وحتى نكون صادقين مع أنفسنا فإن علينا أن نلتمس العذر لمؤسساتنا الثقافية التي اضطرت إلى خفض موازناتها بشكل عام، فتأثرت بذلك مشروعاتها ومن بينها المشروع الثقافي، ولعل في الأوضاع المالية العالمية ما يبرر للمقتصدين اقتصادهم.
* أين ترى الأردن ثقافياً؟ هل تعتقد بأننا متخلفين عن الدول الأخرى من حيث تقدير أدبائنا أو دعمهم إعلامياً؟
– الأردن بخير، أقول هذا واقعاً وأقوله تفاؤلاً، فما زالت مجلاتنا تصدر في حين توقفت مجلات كثيرة في دول عربية غنية، وما زالت مهرجاناتنا السنوية تقام في مواعيدها بينما تلغي الدول أهم مهرجاناتها، وما زلنا نحصد الجوائز الثقافية ونتفوق على أقراننا في بقية الدول، وما زالت جمعياتنا ومؤسساتنا تنشط في شتى المجالات الثقافية، وكل ذلك مؤشر على أننا بخير، وأن ثقافتنا بخير.
أما الشق الثاني من السؤال، ففيه إثارة للشجون، ولطالما حلمت بأن تعقد عندنا ندوة عنوانها: ماذا يريد المثقف من الإعلامي؟ وماذا يريد الإعلامي من المثقف؟ وهما سؤالان جدليان من المؤكد أن لا إجابة شافية عنهما، إلا أن الحقيقة التي لا تقبل الجدل هي أن حاجة المثقف للإعلامي مثل حاجة السراج لشعلة النار، فهو لن يضيء مالم تشعله شعلة، حتى لو كان السراج عامرة بزيت مبارك يكاد يضيء، كذلك لن يبرز إبداع المثقف على الوجه الأكمل ما لم يسلط الإعلامي عليه الضوء.
* ماذا ينقصنا اليوم لنكون على اللوائح الطويلة أو القصيرة للجوائز الأدبية والثقافية على مستوى العالم كالبوكر مثلاً ؟
– للجوائز قصص يحرم سرد أحداثها، والشهود عليها هم القائمون على طبخها من لجان تحكيم، ومجالس أمناء، وسدنة وما عداهم من المعنيين بالجوائز، وفوز الفائز في جائزة ما قد لا يكون بالضرورة مؤشراً على استحقاقه للفوز فعلاً، تماماً كما أن خسارته لا تعني أنه لا يستحق الفوز بجدارة، ومع ذلك كله فقد أحرز مبدعونا من الأدباء الجوائز الرفيعة، ووقفوا على مشارف جوائز أخرى، وفي مختلف الحقول.
* على من يضع محمد جمال عمرو اللوم إذا وجد طفلاً لا يتحدث اللغة العربية بشكل سليم؟ على المناهج والمعلم؟ أم على البيئة الحاضنة “الأهالي” ؟
– تربية الطفل وتعليمه مسؤولية مشتركة دون شك، أطرافها البيت والأقران والمدرسة، ومن هذه الأطراف يستمد الطفل علومه ومعارفه وحتى سلوكاته، مع إقرارنا بتفاوت نسبة المسؤولية بين تلك الأطراف، ولعل المدرسة تضطلع بالقسط الأكبر من هذه المسؤولية، فإليها أوكلت مهمة تعليم الطفل اللغة السليمة، وتنمية اعتزازه بها، وتحبيبها إلى نفسه.
وتتحمل المناهج المدرسية جانباً من المسؤولية، ذلك أنها وعاء اللغة العربية، فإن كان شهياً أقبل الطفل عليه، وإن كان غير ذلك عزف عنه ونذر للرحمن صوماً، والوعاء هنا هو الموضوعات والدروس المقدمة للطفل، مع ما يرافقها من رسم ولون وتصميم، وما إلى ذلك مما يزين الكتاب المنهجي للطفل المتعلم للغة العربية.
* هل تعتقد بأن مناهجنا تتوافق مع عقل الطفل المعاصر؟
– الطفل اليوم تجاوزنا بمراحل عدة، وقفز عنا بذكائه وبما منحته إياه تكنولوجيا العصر وتطوراته من قدرات ومواهب، تتطلب منا وقفة جادة صادقة نتحسس فيها الواقع ونستشرف المستقبل، ونعيد النظر في أدواتنا وآليات عملنا في تثقيف الطفل وتعليمه وتربيته، وليست المناهج وحدها التي تتطلب التقويم وإعادة النظر فيها، بل كثير من الأمور التي تخص عالم الطفل، ولعل المناهج من أهمها، فهي الوسيط الوحيد الذي يفرض على الطفل تلقيه واستيعابه وفهمه واجتياز

الامتحانات فيه، فيكون بذلك شرطاً لانتقال الطفل – التلميذ- من مرحلة إلى أخرى، ومن هنا تكمن أهمية المناهج وخطورتها.

إن إعادة تقويم المناهج الموجهة للأطفال، وبالتالي إعادة صياغتها شكلاً ومضموناً، يعد ضرورة لا بديل عنها لمواكبة تطور شخصية طفل اليوم ونضوج عقله ونماء قدراته.

* وأخيراً ماذا تقول للقائمين على الأدب والثقافة والتعليم في الأردن خاصة؟

– أتمنى أن نواصل جميعاً عملنا الجاد من أجل طفولة عربية واعية متميزة، وأن نحرص على تعزيز انتماء أطفالنا إلى أمتهم، واعتزازهم بحضارتها، وإيمانهم بطاقاتهم وقدراتهم، وتحصينهم لمواجهة مستجدات الحياة وتوظيفها إيجابياً والإفادة منها، وحتى يتحقق ذلك لا بد من أن تتوفر في ذواتنا القناعة التامة بأن طفل اليوم هو نصف الحاضر وكل المستقبل، وهو الذي سوف يخلفنا في هذه الحياة، فإما أن يمثلنا بفخر واعتزاز، أو أن يعيش على هامش الحياة كأنه غير موجود، عالة على ذاته وعالة على الآخر.

إن للثالوث الأكثر تأثيراً في حياة الإنسان – الأدب والثقافة والتعليم- الدور الفاعل في صياغة مستقبل أطفالنا وبالتالي تحديد هويتنا ومستقبلنا نحن، وعلينا أن نوظف هذا الثالوث التوظيف الواعي لبناء جيل مسلح بالعقل والعلم والثقافة، جيل ينفتح على الآخر دون أن يذوب فيه، ويمر بلهيب الحياة المعاصرة الملتهب دون أن يحترق بلهيبها، يأخذ من الحياة ما ينفعه ويسهم في ارتقائه في مسيرة الحياة.

ولنعلم أننا القدوة للأجيال، وعلينا الاتصاف بالصفات التي نتطلع إلى تحلي الأجيال بها، وقديما قيل: فاقد الشيء لا يعطيه.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى