محاولة البحث في وجه متلوّن
د. أحمد أبوغنيمة
كان يبدو على ملامح وجهه الناعمة … الرقيقة … الوادعة … الآمنة … الهادئة … كان يبدو عليه للوهلة الاولى أنه من أولئك #الناس الذين نلمح في وجوههم … أخلاقهم … وخُلقهم … وقيمهم #الإنسانية العالية في هذا الزمان الأغبر الذي من النادر ان تجد فيه أناس يحدثونك بوجه لا يختلف عن #الوجه الذي يحدثون به غيرك .. عنك !!!
حين التقيته لأول مرة قبل نيّف من السنين … خطر ببالي خاطر عابر … لم أدرك خطأه في حينه أو سذاجته فيما بعد … خطر لي في لقائي الأول معه.. أنه صاحب ذلك الوجه الذي إن استنصرته في أمر فسيكون لك من #الناصرين .. وإن احتجته في فاقة أو عوز فسيكون لك من المُلبين … وإن لجأت إليه في مصيبة أو مكروب فسيكون لك من الساندين …
وقتها تساءلت مع نفسي … يا تُرى …
هل ما زال هناك أُناس بمثل هذه #الأخلاق والقيم في مجتمعنا الذي أصبح يبحث عن كل شيء إلا عن هذا الذي يسمونه قيم ومُثل عُليا وأخـ… لاق !!!!
سنوات تمر وتمر …
ومواقف عدّة مع صاحب الوجه المتلون جعلتني في حيرة من امري …
فتارة تراه هادئاً وادعاً …
وتارة تراه هائجاً مائجاً …
وتارة تراه حليماً …
وتارة تراه قد ” تمسكَن حتى تمكّن ” كما يُقال في أمثالنا … وتارة … وتارة … يا الله ما اكثر هذه الـ ” تارة ” … ولماذا ؟؟
أهو الموقع الذي يشغله هذا الرجل من فعل به كل هذا الفعل من جَعلِ وجهه مسرحاً للرسامين والفنانين يخُطّونه بألوانهم وريشتهم كما يشاؤون ويرغبون !!!
أم هو تعبير سلبي عما أُنعم عليه من هبات وعطايا جعلته مغترّاً بنفسه لدرجة لم يعد يرى فيها أحد غير نفسه !!!
أم هو السبب كذا ؟
أم هو السبب كذا ؟؟
أم هو السبب كذا ؟؟؟
دوامة من الأسئلة المُبهمة حدثتني بها نفسي لعلّي أجد بين ثناياها ما يسُدّ ظمأي الشديد لجواب أبحث عنه … علّه يزيل عني حيرتي وحسرتي عن صاحبي … صاحب الوجه المتلون بألوان عدّة في آن واحد !!!
يا لك من جاحد …
يا لك من ناكر …
يا لك من متكبر …
أيها الإنسان … أيّ إنسان كائناً من كنت …
يا من تجعل وجهك ألواناً تتلوّن بها عند الحاجة والضرورة التي تُلبّي رغبتك النزقة او الوصولية … في محاصرة الناس … أو في السيطرة عليهم .. أو من اجل حاجة في ” نفس يعقوب ” !!!
من اجل ماذا تلوّن وجهك بكل هذه الألوان أيها الإنسان المتلوّن …
أمِن أجل أن يُقال …
أم مِن أجل أن يُشار …
أم مِن أجل ان يُهمس …
أُنظروا إليّ يا من تُسمّون انفسكم أناساً لا تملكون ما أملك … فأنا رجل أملكُ وجهاً ملتوناً أشدو بألوانه التي أملِكُ محبرتها بما يعجز أن يخًطه أفضل رسام أو أعتى فنان …
أين ” بيكاسو” من مهارتي وفنّي ؟؟
وأين ” دافنشي ” ووجه لوحته الموناليزا من موهبتي في خطّ الوان وجهي كما أريد وكما أشاء وكما ” تقتضيه الضرورة ” أيضاً ؟؟
إنّ عندي أنا صاحب الوجه المتلوّن من موهبة الرسم بالألوان على الوجوه ما يساعدني على … الدوس على إنسان … ونيل رضا إنسان آخر … وكسب عداوة إنسان ثالث … ورمق إنسان رابع بنظرة اشمئزاز … وأناس كًثر أملك أن اتعامل معهم بحكنة ومهارة وبخِفةً وشطارة بفضل مِحبرتي والوان وجهي …
…..
وطال التفكير والشرود … وطالت الحيرة … في تفسير وتحليل من كنت اعتبره صاحبي ذات زمان ومكان … صاحب الوجه المتلوّن …
وهداني الله بعد حيرة وتفكير إلى جواب سددت به رمق ظمأ تفكيري وحيرتي وشرودي …
إن المشكلة في صاحب الوجه المتلوّن قد تبدو للوهلة الأولى لمن لم يتفحّص هذه الألوان التي تظهر على وجهه على اختلاف درجاتها ووضوحها … انها فعلا في وجهه !!!
ولكنها بعد تفكير عميق … ودقيق ..
أكتشفت أو أقنعت نفسي انه الجواب الذي أبحث عنه …
إن المشكلة لا تكمن في الألوان الفاقعة التي يُلوّن بها وجهه …
بل إن المشكلة التي يعاني منها صاحب الوجه المتلون وبكل تأكيد هي تلك الألوان القاتمة التي يُلوّن بها قلبه فتنعكس ألواناً فاقعة على وجهه ….
ألم يقل رسولنا الكريم ( ص ) …
” إن في الجسد مضغة، إذا صلُحت صلُح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا أنها القلب ” …
أيها الإنسان …
يا صاحب الوجه المتلوّن …
نعم لقد صدق رسولنا الكريم ( ص ) …
إن المشكلة تكمًن في ألوان قلبك القاتمة لا في ألوان وجهك الفاقعة … والله أعلم …