محاضرة بداية الفصل؛ رسائل افتتاحية باعثة للأمل
د. رمزي فتحي هارون
استمتع منذ ما يقرب من ربع قرن بعملي أستاذًا في الجامعة الأردنية. منذ بداياتي، أخذت على عاتقي مهمة شحذ همم طلبتي وبعث الأمل في نفوسهم. آمنت دومًا بأهمية الانطباعات الأولية، وبالأثر الذي تتركه في تحديد اتجاهاتنا ومستقبل سلوكنا. ولذا، فقد أوليتُ المحاضرة الأولى في بداية كل فصل دراسي اهتمامًا خاصًا. أصِلُ قاعة المحاضرات في الموعد المحدد وأنا في كامل أناقتي. أحرص على رسم ابتسامة دافئة صادقة على وجهي أبادر بها طلبتي قبل أن أحييهم بلساني. ولطالما حرصت على أن تنقل محاضرتي الأولى الرسائل الآتية لبناتي وأبنائي الطلبة؛
أولاً: اغتنموا الفرصة:
لماذا نلتحق بالجامعة؟ للحصول على درجة علمية! أثق أنكم ستحصلون عليها. هذا أمر مؤكد تقريبًا. لكن انتبهوا، الأكثر أهمية من تحصيل الدرجة العلمية هو مستوى التطور الشمولي الذي يتجاوز حدود التعلم الأكاديمي والحصول على شهادة. استمتعوا بجمال الحرم الجامعي وبيئته. تفاعلوا مع زملائكم، وخاصة مع من لا يشبهكم منهم. انفتحوا عليهم، وتعلموا عنهم ومنهم ومعهم. أحثكم على المشاركة الفاعلة في الفعاليات والأنشطة الجامعية من ندوات ومسرحيات وأمسيات شعرية وحفلات فنية وموسيقية. تذكروا، أمامكم فرصة تطور شخصي تاريخية تتاح مرة واحدة في العمر. أبٌ وأمٌ ينفقان، وأسرة بأكملها تدعم وتدعو. لا مسؤوليات ولا أعباء تقريبًا سوى التفرغ للتعلم الجامعي والتطور الشخصي.
ثانيًا: احلموا:
أدعو كلًا منكم لامتلاك حلمه الخاص. لا تتواضعوا، تجرؤوا في أحلامكم. ثم، تذكروا أن الأحلام لا تتحقق بالتمني ولا بالدعاء. تصبح الأحلام واقعًا بالسعي والعمل بعد التوكل على الله والاستعانة به. وما نرجوه أن يسهم تحقق أحلامكم الشخصية في تحقيق حلمنا النهضوي الكبير كمجتمع وكدولة وكأمة.
ثالثًا: أحترمكم وأحبكم وأعتز بكم:
هكذا دون سابق معرفة؟ نعم. أحترمكم لأن هذا واجبي، ولأنه حق لكل واحد منكم، كما أنه امتثال مني لتكريم الله لبني آدم. أحترمكم لأقدم لكم نموذجًا في الاحترام تحتذونه وتقتدون به. أحبكم حرصًا على صحتنا النفسية، وتعزيزًا لفرص استمتاعنا ونجاحنا المشترك. أحترمكم وأحبكم لأن هذا يُحسِّن اتجاهاتكم نحوي ونحو ما أعرضه عليكم وأحاول إقناعكم به. أحبكم لأنني حريص على أن تنضموا إلى جماعة المؤمنين بأحقيتنا بحياة أجود وبقدرتنا على توفير شروطها.
رابعًا: أساعدكم وأعدل بينكم:
لا فرق عندي بين أي منكم أو منكن. أعاملكم بالاستناد إلى المعايير ذاتها، لا أفضلية لقريب ولا لجار ولا لصديق، ولا تمييز ضد أي كان. والعدالة لا تعني المساواة. أمايز في دعمكم ومساعدتكم ولا أميز أبدًا.
خامسًا: سعيد بالعمل معكم وأسعى لتيسير رحلتكم التعلمية:
صحيح أن معاييري مرتفعة وتوقعاتي عالية، لكن هذا لا يعني أن أتحول ومادتي إلى سبب في بؤسكم وكآبتكم. أعدكم أن نستفيد ونستمتع. شعاري الذي طبقته على الدوام: “المتعة ضرورة تربوية لا ترف تربوي”.
سادسًا: قواعد التعلم والعمل:
⁃ احضروا في الموعد، وهذا تدريب مهم على الالتزام وضبط الذات. بناتي وأبنائي: ليس من أسباب تأخرنا أننا لا نعمل، ولكن أننا لا نعمل بما يكفي ولا نخلص كما ينبغي. أتوقع أن تحضروا في الموعد مدفوعين بضوابط داخلية، لا بتأثير من ورقة قائمة أسمائكم التي يقل وزنها عن ثمانين غرامًا.
⁃ ابتسموا، فالتدريب على التبسم جزء من إعدادكم الشخصي والمهني. إن الابتسامة مفتاح مهم من مفاتيح التواصل الفعال. وهذا الأخير ضرورة حياتية في جميع سياقات التفاعل البشري.
⁃ تأملوا، لا تقبلوا كل شيء فوراً ولا ترفضوه فورًا. دققوا وتفحصوا، ثم تساءلوا وانقدوا. ارفعوا مستوى التحدي. أسعد وأنا أحاوركم عندما يخرج من بينكم من يتحدى الأفكار، أو يطلب المزيد منها أو يطرح سؤالًا صعبًا حولها. تعلمون بناتي وأبنائي أن الوصول للمعرفة أمر يسير ومتاح. المهم هو تقييم المعرفة ونقدها، ثم تطبيقها، والمشاركة في إنتاجها. ساهموا بمعارفكم وخبراتكم في إثراء المساق، وتذكروا أننا لن نتعلم كل شيء لسببين؛ الأول ضيق الوقت، والثاني لأنني لا أعرف كل شيء. واعلموا أن انتهاء الفصل الدراسي يمثل بداية رحلة تعلم مستمرة مدى الحياة.
⁃ اجتهدوا ولا تركنوا لذكائكم. إن علاقة الإنجاز بالجهد أقوى من علاقته بالقدرة العقلية. ومن خبرتي، فإن الطلبة الذين يحصلون على تقدير امتياز ليسو بالضرورة الأكثر ذكاءً بل الأكثر بذلاً للجهد. إن مقدار جهدك ونوعيته هما ما يقرر تقديرك في المساق، ولا علاقة للأمر بالحظ أو الواسطة أو المحسوبية.
بناتي وأبنائي الأعزاء:
أحلم معكم ولكم بالعام 2050، وهو زمانكم وزمان أولادكم. إنه مستقبل يمكننا التحضير له ورسمه منذ الآن. تذكروا أن مستقبلنا هو الجزء الوحيد من وقتنا الذي يمكننا التحكم به. دعونا نجيد إدارة حاضرنا لنصل إلى مستقبل أفضل. مستقبل مزدهر نرجوه ونستحقه.