محاسبة الأردنيين على النوايا !

#محاسبة #الأردنيين على #النوايا !

الأستاذ الدكتور أنيس الخصاونة

قبل بضع سنوات صرحت الحكومة الأردنية على لسان ناطقها الرسمي حينئذ الدكتور محمد المومني أن الحكومة ستلاحق كل مواطن أردني يتعاطف مع تنظيم الدولة الاسلامية (داعش) وقد توقف العديد من الاردنيين مندهشين من هذه اللهجة الجديدة للحكومة المتضمنة آخر تجلياتها في محاسبة الناس على النوايا.
كتبنا في حينه مستغربين ومستفهمين عن نوعية الأجهزة التقنية والتكنولوجيا التي ستستخدمها الحكومة في الكشف عن نوايا الأردنيين نحو داعش أو نحو جبهة النصرة أو غيرها؟ اعتقدنا أن ميل الحكومة في ذلك الزمان نحو محاسبة المواطنين على أساس النوايا ما هو إلا سقطة من سقطاتها الكثيرة وأن من اجتهد فيها لتجريم الناس في ضوء نواياهم قد جفت أفكاره ونضب كافة مخزون إبداعاته.
هالنا قبل بضعة أيام قيام الأجهزة الأمنية باعتقال أكثر من اربعين مواطن أردني لمجرد أنهم كانوا ينوون الخروج في يوم 24 آذار في وقفة مطالبة للحكومة ببعض الشؤون العامة المتعلقة بالإصلاح السياسي والمشاركة السياسية وإطلاق الحريات العامة والإفراج عن معتقلي الرأي. الملفت أن حملة الاعتقالات هذه جاءت تتويجا للانتهاء من التعديلات الدستورية وتعديل قوانين الانتخاب والأحزاب وإجراء الانتخابات المحلية .
كافة القوانين والتشريعات العالمية لا تحاسب على النوايا وإنما تحاسب على الأفعال.رب العزة جل في علاه لا يحاسب على النوايا الا لصالح الإنسان ولتعظيم حسناته إذ أن الانسان الذي ينوي فعلا يؤذي الآخرين ويقلع عن الفكرة فإنه يؤجر بزيادة حسناته .كيف ستقوم الحكومة الأردنية بمحاسب الأردنيين على ما تختزن صدورهم ؟ ما هذه الخرافات والخزعبلات التي لم تعد تنطلي على أحد.
صحيح أن اعتقال الشخوص المشار إليهم أعلاه انتهى بعد 9 ساعات من اعتقاللهم وترويع عائلاتهم ، ولكن تأثير تلك الاعتقالات والرسالة التي تبعث بها الحكومة للمواطنين الاردنيين حول إمكانية محاسبتهم على نواياهم في المستقبل سيبقى ماثلا في ذاكرة المواطنين الذين نسعى لإدماجهم في الحياة السياسية والحزبية .
لا أعلم كيف يستوى إجراء الحكومة باعتقال اربعون مواطنا بسبب نواياهم مع توجهات جلالة الملك التي ترجمت الى تعديلات دستورية تمكن الاردنيين من الانخراط في الأحزاب والتعبير عن الرأي وانتقاد السلطات العامة والحكومات؟ لا أعلم كيف يستوى إجراء الحكومة لهذه الاعتقالات مع إتاحة المجال دستوريا للأحزاب للتعبير عن الرأي والإحتجاج على أداء الحكومات وإجراءاتها ! وهنا أتساءل كيف لو ارتأى حزب ما في المستقبل أن يذهب يوم 24 آذار ويقف عند دوار جمال عبدالناصر رافعا رايات ومطالبات للحكومة في قضايا تهم المجتمع الأردني…
من جانب آخر نتساءل فيما إذا قامت السلطات العامة ممثلة بالأجهزة الأمنية أو غيرها بالكشف عن قلوب الناس لمعرفة من منهم سيترجم نيته بالمشاركة في وقفة 24 آذار .أخطأ من فكر ونصح وأصدر أمره بتنفيذ الاعتقالات فهي شكلت آساءة للحكومة والنظام ،وأرسلت رسالة سلبية تتناقض مع المبررات والمسوغات التي استندت إليها كافة التعدلايت الدستورية والتعدلات في قوانين الأحزاب والانتخاب . الاعتقال في ضوء النوايا يشكل ظاهرة خطيرة نحذر من تكرارها في المستقبل كما أن التهديد والوعيد االذي يستخدمه بعض المسؤولين حديثي العهد بالمناصب وقليلي الخبرة والتجربة السياسية والإدارية يمكن أن يشحن الأردنيين ويزيد سخطهم ويؤلبهم على مجمل نظامهم السياسي الحريصين أصلا عليه فهل من مدكر؟.

مقالات ذات صلة
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى