مجلس النواب السابع عشر : شرعية شكلية وأزمة مركّبة

مجلس النواب السابع عشر : شرعية شكلية وأزمة مركّبة
منى الغبين

مقدمة المقال
” هذا مقال قديم نشرته قبل 5 سنوات واعيد نشره مرّة أخرى متسائلة ما الذي تغيّر في هذه الخمس العجاف ؟؟
ر
شهد الأردن خلال اثنين وستين شهرا ولادة ثلاثة مجالس نيابية كان آخرها مجلس النواب السابع عشر الذي جاء بانتخابات الثالث والعشرين من كانون الثاني من هذا العام , وهذه الملاحظة بحدّ ذاتها تكشف عن أزمة عميقة حقيقية لا يجوز أن تقابل بالإنكار والاستهتار فتجاهل الأزمات لا يلغيها ولكنّه يؤدي لتعميقها واستفحالها حتى تخرج الأمور عن السيطرة .
كانت مبررات حلّ مجلس النواب الخامس عشر هي نفس مبررات حلّ مجلس النواب السادس عشر والتي تمثّلت بأمرين تمّ الاعتراف بهما من قبل الجهات الرسمية , وهما : مصادرة إرادة الناخبين بتزوير الانتخابات , وقانون الصوت الواحد الذي مزّق النسيج الاجتماعي وحال دون فرز مجلس نواب قوي , فهل نجا المجلس الجديد من هاتين الآفتين , أم أن مبررات حلهما لا تزال موجودة وملازمة له , وبالتالي هو ولد مستحقّا للحلّ منذ أول لحظة من وجوده بل قبل أن يولد أو يوجد ؟؟
المجلس كما هو معلوم جاء نتاجا لقانون الصوت الواحد المرفوض من قبل الغالبية العظمى من الشعب وكثير من رجال طبقة الحكم وشخصياته البارزة , ولا يشفع له تلك المكيجة بما سمّي بالقائمة النسبية التي فصلت لإفراز أفراد باسم هذه الكتل لا يختلفون عن سائر نواب الدوائر المحلية إلاّ بأنهم فقط من كبار الأغنياء , وحتى لو كان القانون يسمح بفوز أعلى الكتل أصواتا فإنّها لن تقدّم ولن تؤخر لأنّ نسبتها بالمجلس هي 18% فكيف عندما تكون أقوى كتلة لم توصل إلاّ ثلاثة نواب , فالمجلس من هذا الجانب هو إعادة إنتاج للمجالس السابقة , والحديث عن نواب برامجيين في ظلّ هكذا قانون هو نوع من الجري وراء السراب .
وإذا نظرنا إلى قصّة النزاهة فأول ما يطالعنا بهذا الشأن استحداث ” الهيئة المستقلة للانتخابات ” فبماذا تختلف هذه الهيئة عن وزارة الداخلية التي كانت تشرف على الانتخابات في السابق ؟؟ ؛ لأنّ الذين يشرفون على العملية الانتخابية فعليا هم نفس الكادر من الموظفين الذين تتشكّل منهم لجان الاقتراع في الماضي , والهيئة المستقلة ليس لها كادر خاصّ للقيام بهذه المهمة , وبغض النظر عمّا أعطي لها من صلاحيات قانونية فهي عاجزة فعلا عن القيام بأي فعل مؤثر , فلا فرق بين إدارتها للانتخابات وبين إدارتها في السابق من حيث سير العملية وما يعتريها من خلل , وما يترتب عليها من نتائج , فهي لا تعدو أن تكون استمرارا لسياسة تفريخ الهيئات المستقلة المكلفة بدون جدوى .
جاءت الانتخابات في ظلّ قانون مرفوض فرض بطريقة استفزازية بعد وعود سابقة من أعلى السلطات بأنّه قد ذهب إلى غير رجعة , وبإشراف هيئة شكلية غير مقنعة لأحد , وتزامن ذلك مع سياسات استفزازية يأتي على رأسها طي ملفات الفساد من قبل مجلس النواب السابق , ورفع الأسعار , والاستمرار بنفس النهج القائم على اللامبالاة والاستهتار بأبسط المطالب الشعبية , فأحجم أكثر من 25% ممن يحقّ لهم الانتخاب عن التسجيل لهذه الانتخابات , وسجّل لها بحدود 75% شارك منهم 56% بحسب الاعترافات الرسمية أيّ ما يعادل 42% من مجموع الشعب الذي يحقّ له الانتخاب , وهذا إعلان صريح واضح بعدم شرعية هذا المجلس هذا من حيث الشكل الظاهر فكيف إذا أضيف لذلك عوامل أخرى تثبت أن نسبة كبيرة من الذين شاركوا في الانتخابات لم يشاركوا قناعة بهذه العملية , ولكنّهم شاركوا لأسباب لا علاقة لها بأهداف تلك العملية , ولا إيمان بها , ولا اكتراث لما يترتب عليها من نتائج .
أول العوامل الفاعلة للمشاركة هو التنافس العشائري والعائلي , وهذا عامل لا يستطيع أحد إنكاره وأنّه هو السبب الرئيسي في ارتفاع نسبة المشاركين في الانتخابات في المناطق والمحافظات ذات الثقل العشائري , وذلك لحسابات لا علاقة لها بالديمقراطية ولا الدور التشريعي لمجلس النواب .
وثاني هذه العوامل هو المال الأسود والحاجة للمطالب الشخصية الخاصّة من قبل ذوي النفوذ من المرشحين , ومعلوم أنّ هذا العامل أيضا لا علاقة له بالأهداف التي من أجلها وجد مجلس النواب .
والسؤال هنا : هل ظهور هذين العاملين بصفتهما من أقوى عوامل المشاركة هو تأكيد على مقولة أنّ الشعب لم ينضج , ولم يبلغ سنّ الرشد كما يحلو لمؤسسة الحكم أن تقول وتدّعي وكما يروّج لذلك أبواقها من أدعياء العلم والمعرفة ممن يغطون على جهلهم بواقع هذه الشعب .
وفكره وآرائه بلوك مثل تلك الإدعاءات ؟؟ أم أنّ ذلك يعود لعوامل أخرى ليست خفية الإ على من قرر أن يغلق عينيه , ويصمّ أذنيه عمّا يريده الشعب و وعمّا يطمح إليه, وعمّا وصل إليه من يأس وإحباط ؟؟
إنّ نظرة لنتائج انتخابات عام 1989م وما أفرزته من شخصيات محترمة لها وزنها ومكانتها في نفوس الناس , ولها بصماتها في العمل الرسمي والبرلماني وخدمة الوطن _ لتدّل دلالة قاطعة على وعي هذا الشعب , وقدرته على اختيار الأفضل , ولكن ما الذي جرى ؟ ولماذا كانت الانتكاسة ؟؟ والجواب أنّ المجلس الذي كان من المفترض أن يكون المدخل الشعبي للمشاركة في مسيرة الوطن قد همّش , وقمع , وحورب , ثمّ قزّم بقانون الصوت الواحد , وظلّ تحت رحمة السلطة التنفيذية التي تملك قرار حلّه في أيّ وقت , فبدأت الأمور تسير بتسارع عجيب نحو هاوية الفساد والاستبداد المشرعن , حتى وصل الناس إلى قناعة بأنّ مجلس النواب مجرد “ديكور” لا يمثّل الشعب , ولا يهمه أمره , وأفضل أحواله أنّه مجرد وكيل للخدمات الفردية التي تعزز عقيدة الخلاص الفردي , وعدم الاهتمام بالقضايا العامّة , وتضاعفت الكارثة منذ الدخول في نفق الخصخصة وتفكيك الدولة الذي بدأ منذ اتفاقية وادي عربة , وأعلنت عنه حكومة الثورة البيضاء التي شكّلها السيد عبد الكريم الكباريتي في منتصف التسعينيات من القرن الماضي , وأستمرّ هذا النهج حتى وصل الشعب لمرحلة فقدان الثقة بجميع مؤسسات الدولة كما اعترف بذلك كثير من رجال الحكم .
لقد كان المأمول أن تقوم مؤسسة الحكم بخطوات عملية في ظلّ الربيع العربي لاستعادة تلك الثقة المفقودة بينها وبين الشعب , وكان أقل ما يمكن تقديمه هو قانون انتخاب توافقي يسمح بإفراز مجلس نواب مؤهل لتشكيل حكومة برلمانية حقيقية , ولكن بدلا من كلّ ذلك كان طي ملفات الفساد بقرار من مجلس النواب لنزع ما تبقى من ثقة في نفوس الشعب , ثمّ العودة لقانون الصوت الواحد وتحميل وزر ذلك لمجلس النواب نفسه , فماذا سنتوقع من الشعب أن يفعل ؟ وكيف له أن يثق بهكذا مجالس ومؤسسات ؟؟ فأقدم من أقدم على المشاركة وهو يشاهد كبار المرشحين في السجون لا بسبب مواقفهم الوطنية المشرّفة ولكن بسبب جرائم جنائية لشراء الذمم !! وشاهد كيف يكون تسويق وتلميع بعض المرشحين الذين لا يستحقون أن يكونوا أعضاء في مجالس بلدية في الدول التي تحترم نفسها وشعوبها , وشاهد تدخّل أصحاب المال والنفوذ في دعم البعض ومحاربة البعض , وشاهد أطنان الأكاذيب والشعارات الفارغة التي لا تعني إلا استحمار الشعب واستغبائه , فكيف نتوقع منه أن يأخذ هذه العملية على محمل الجدّ , ويبني عليها آمالا كالآمال التي كان يحملها عندما توجه لصناديق الاقتراع عام 1989م؟؟
إنّ الأمر الطبيعي أن يكون المال الأسود وشراء الذمم هو سيّد الموقف , وأن يكون شعار الناخب ” شعرة من جلد الفاسدين مكسب ” لأنّه مقتنع أنّه لا فائدة ترجى من مثل هذه الألاعيب وأن المكسب الوحيد له هو ثمن صوته مهما كان ذلك الثمن بخسا …. أو يشفي صدره بتصفية الحسابات مع أقاربه وبني عمومته أو لهم …… ومما لاشكّ فيه أنّ ارتفاع نسبة من ذهبوا للانتخابات بمثل هذه القناعات وهذه الدوافع _ لهو إعلان صريح وواضح بأنّ الشعب لم يضف شرعية حقيقية على هذه العملية , وهذا المجلس , وأن انعدام الثقة بمؤسسات الدولة لا يزال هو سيّد الموقف , وأنّه قد ترسخت القناعة في نفوس الجميع أنّ الشعب في واد ومؤسسة الحكم في واد آخر وبين الواديين أبعد مما بين المشرقين .
وستكتمل المسرحية الهزيلة بقصّة الحكومة البرلمانية التي لا ولن تختلف عن سائر الحكومات السابقة , والتي تقوم على تكليف شخصية من خارج المجلس , وتقوم بالتشاور مع النواب لترشيح وزراء من خارج المجلس , ولا أدري ما الفرق بينها وبين حكومة سمير الرفاعي وحكومة معروف البخيت , وحكومة عون الخصاونة فرؤساء هذه الحكومات أجروا مشاورات موسعة مع النواب , وحصلوا على ثقتهم ثمّ
طار كلّ منهم بليلة ظلماء !!
منى الغبين

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى