مجلس الأعيان . . كالمستجير من الرمضاء بالنار . . !

مجلس الأعيان . . كالمستجير من الرمضاء بالنار . . !
موسى العدوان

قرار صادم لكل أفراد الشعب الأردني ذلك الذي اتخذه مجلس الأعيان، أو ما يسمى مجازا بِ ( مجلس الحكماء ) يوم 25 أيلول 2018. هذا المجلس الذي قرر تخفيض خدمة الوزراء الخاضعة للتقاعد من 10 سنوات كما أقرها مجلس النواب، لتصبح 7 سنوات يستحق الوزير بعدها راتبا تقاعديا مدى الحياة، وكما أقرته حكومة الرزاز في جلسة سابقة.

لا أعرف ما هي الأسس التي اعتمدها مجلس الأعيان، ومن قبله مجلس الوزراء في اعتبار السنوات السبع معيارا لتقاعد الوزراء ؟ فهل اعتمد قرارهم على تعرض الوزير خلال خدمته القصيرة لظروف صعبة يصاحبها تهديد لحياته بالخطر ؟ أم أنها نتيجة لما سمعه وشاهده المجلس من استقبال لوزراء غير مرحب بهم من قبل الشعب في مختلف المحافظات، عند محاولتهم تسويق قانون ضريبة دخل مجحف ؟

هل نسي أو تناسى السادة الأعيان، أن الدولة تنوء تحت عبء ثقيل من المديونية المتصاعدة يوما بعد يوم، ليطبقوا المثل الشعبي : أعطي المركب الغارق ركلة للإجهاز عليه ؟ كيف لمجلس يُفترض أن يكون على درجة كبيرة من الحس بالمسؤولية، وإدراك للخطر المالي الذي يتهدد الدولة، أن يقلّص خدمة الوزير المقبولة للتقاعد الأبدي من 10 سنوات إلى 7 سنوات، ويزيد من الأعباء المالية على دولة معجوزة في موازنتها ؟ لقد كنا نتوقع أن يحث مجلس الأعيان حكومة الرزاز، على تطبيق خطة ترشيد قاسية للاستهلاك الحكومي، من أجل تجاوز هذه الأزمة المالية، بدلا من تحميل تبعاتها للمواطنين.

كيف يمكن أن تدّعي الحكومة يساندها مجلسا الأعيان والنواب، بأنهم يسعون لتحقيق العدل والمساواة بين مختلف طبقات الشعب المتماثلة ؟ وأنهم يعملون على الحد من ظاهرتي الفقر والبطالة، بينما هم يفعلون عكس ذلك بفرض قوانين مجحفة تزيد من الفقر والبطالة، وفي الوقت نفسه يضاعفون من الامتيازات المادية لطبقة أخرى من الموظفين دون وجه حق ؟

هل يعقل أن مجلس الأعيان الذي توقعنا منه أن يكون أكثر حكمة وواقعية، وأن يرفع خدمة الوزير المقبولة للتقاعد إلى 15 سنة على الأقل، لكي تتساوى مدة الخدمة نسبيا مع الموظفين المدنيين والعسكريين، لا أن يخفّضها إلى سبع سنوات فقط ؟ إنه تصرف عجيب وغير مقتنع من مجلس توقعنا منه العدل والحكمة ..!

كيف يمكن المقارنة بين ضابط برتبة عالية واجه المصاعب والحرمان والمخاطرة بحياته، خلال خدمة عسكرية وصلت إلى 40 سنة، ويحصل على راتب تقاعدي لا يتجاوز ثلث راتب وزير خدم 7 سنوات، في ظروف ميسّرة وبعيدة عن الخطر، ليقفز بعد تقاعده إلى مدير شركة رسمية يتقاضى مبالغ كبيرة، أو عضوا في عدة مجالس إدارة، أو عودته وزيرا للمرة الثانية أو الثالثة، فيمضي حياته متنقلا من موقع إلى آخر لا يهبط على الأرض ؟

من الواضح أن مجلسي النواب والأعيان سيقران قانون ضريبة الدخل الكارثي خلال اليومين القادمين، رغم كل المناورات ومحاولات التجميل التي مارستها الحكومة ومن يسير في ركابها لفرضه على المواطنين، تحت ذريعة الضغط من البنك الدولي أو مواجهة أزمة مالية خطيرة. وهذا يذكرنا بما فعله رئيس وزراء سابق عندما أرعب الشعب بقوله : ” أما إقرار الضريبة أو سقوط الدينار ؟ “.

واستطاع بقدرته على الخداع والمراوغة، تمرير خطته على المواطنين الخائفين على وطنهم، مشفوعة بوعود هلامية لتحسين ظروف حياتهم ولكن ثبت فشلها فيما بعد. وها هي الأسطوانة تتكرر اليوم في عهد حكومة الرزاز بأسلوب ناعم يستدر عطف الشعب أو خداعه، بعد أن فشلت حكومة الملقي التصادمية في تسويقه.

مجلس الأعيان ( نادي رؤساء الوزارات المتقاعدين ) قطع بقراره الأخير شعرة معاوية التي كانت تربطه بالمواطنين، وأظهر أنه لا يسمع أنّات وصيحات المواطنين المعوزين، لأنه يعيش في ترف اجتماعي ويسكن في برج عاجي، غير مبال بما يعانيه المواطنون من ضنك في العيش. ولهذا يأمل الشعب من مجلس النواب أن يقف إلى جانبه ويصرّ على قراره، ليصار إلى جلسة مشتركة تكون الغالبية فيها لمجلس النواب، فيفرض إرادته من أجل صالح الوطن.

والحقيقة التي لا جدال فيها هي أن رؤساء الوزارات السابقين – أعضاء مجلس الأعيان الحالي وغيرهم – هم من كانوا سببا في جميع الأزمات التي يعيشها الوطن والمواطن حاليا. وها هم اليوم يزيدون الطين بلّة، فبدل أن يطالبوا بخفض النفقات في الدولة، والتبرع بنصف رواتبهم وامتيازاتهم لإنقاذ الوطن، نجدهم يشرّعون زيادة العبء المالي عليه، فأصبحنا كمن يستجير من الرمضاء بالنار ..!

هذا الوضع الذي وصلنا إليه بتراكم المديونية وسوء إدارة الدولة، يفرض على الحكومة أن تتوقع هبة جديدة لشباب الدوار الرابع، رافعين سقوفا عالية من الهتافات، وقد لا يعودون إلى بيوتهم إلا عند إسقاط المرجعيات الثلاث، بعد أن قامت بخداعهم ودفعهم إلى حائط اليأس ..!

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى