#مجزرة_الساخرين
يوسف غيشان
(مقاطع من الكلمة التي ألقيتها في ندوة معرض الكتاب بعنوان “أثر #الأدب_الساخر في توعية المجتمع” أمس الجمعة:)
أنعى لكم ما تبقى من لهاث #الحرية وخوار #الديمقراطية، وأكاد –لولا انخراطي بالأمل-أن أنعى لكم #الكتابة_الساخرة الأردنية، بعد أن تم استبعاد الكاتب الساخر #أحمد_حسن_الزعبي من هذه الندوة وشطب اسمه من البوستر دون إعلامه، بعد أن كان وافق على المشاركة فيها وصدر اسمه مع المشاركين.
إن استبعاد الساخر الزعبي عمل يائس وبائس ومحدود الأفق ومعادي للوطن، فالزعبي هو الأجمل والأكثر شبابا والأكثر انتشارا وحيوية بيننا، ولم يزده هذا الاستبعاد الغاشم إلا تألقا وانتشارا خصوصا أنه يستبعد عن ندوة حول تأثير الأدب الساخر وهو الأكثر تأثيرا بيننا.
رغبت في حل ساخر وماكر لهذه المشكلة، حيث طلبت من صديقي احمد الزعبي إرسال كلمته في هذه الندوة لأقرأها باسمه وتكون مداخلتي الوحيدة في الموضوع وبذلك نسخر من المنع ونمد لساننا للمانعين ومن خلفهم…لكن أحمد رفض الفكرة.
على كل حال فمن يراجع وسائل التواصل الاجتماعي يشهد هذا #الرفض_المجتمعي لعملية الاستبعاد، وقد نالني بعض رذاذ الشتائم لأني رفضت الانسحاب، وفضلت المواجهة وتمثيل الكتابة الساخرة باسم زملائي.
قبل عملية الاستبعاد هذه كنت قد بنيت كلمتي حول موضوع الندوة (أثر الكتابة الساخرة في توعية المجتمع) وعلى أن هذه الدور محدود محدود محدود، لكن ما جرى، وهذه العاطفة الجياشة من جماهير الناس التي تستنكر هذه الاستبعاد غير المبرر، جعلني أعيد النظر في وجهة نظري، لأقول لكم بأن السخرية ومع أنها لا تمتلك مفتاح الحل، لكنها تنبه الناس إلى الأخطاء التي يرتكبونها بحق أنفسهم والأجيال القادمة إذا ظلوا على الحياد، وتفضح نفاق الكبار وكذبهم وتفقع بالونات البروبوغندا التي يتلفعون بها فيظهرون على حقيقتهم. مجرد لصوص صغار…فيتشجع الناس بالسخرية منهم ثم الشروع في مقاومتهم بدون أي إحساس بالنقص او الدونية
أؤكد لكم من البداية أن أغلب الساخرين هم ثوار انقلابيون في ثياب مراوغة، لا يرتدون الكاكي ولا يحملون الرشاشات ولا تتدلى القنابل اليدوية من أحزمتهم الناسفة، ولا يتلاعبون بالسيجار بين أيديهم، هم بشر يتنكرون في أزياء الناس العاديين، ويمارسون ثورتهم داخل الثورة، ويقلبون المفاهيم بلا أي اعتبار للمناصب والطبقات او القيم السائدة.
هدف الساخر هو تعرية القبح وليس امتداح الجمال، هدفه نقد الحكومات وليس التغزل بلغاليغها، حتى لو كانت تلك اللغاليغ جميلة ومدهونة جيدا بالمساحيق السادة للمسامات والتجعدات والضمائر.
يكتب الساخر ويده على الجرح وهو يجهش بالضحك، من منكم بلا سخرية فليرمنا بحجر …بدبشة بشبشب مستعمل، فليرمنا بالبحر …. نحن وأنتم والجميع ضحايا الحكومات الرقطاء، نستيقظ بدافع الفضول، ونحيا بدافع الفضول، ونموت بدافع الفضول … نعيش على موجة من القهقهات السوداء من صرخة الطفل الأولى حتى حشو المؤخرة بقطن الموت غير المعقم.
يشبهون الكاتب الساخر بالوردة ذات الأشواك …. لكنها وردة معكوسة …. المقصود أن عطرها ومنظرها الجميل في الخارج، حيث يراه الناس، بينما تنكفئ أشواكها إلى الداخل، حيث الحزن والألم والتصدع والضياع والمعاناة والحساسية المفرطة تجاه الأشياء.
يحتاج الناس الكاتب الساخر ليحتموا تحت فضائه اللغوي، لكون دوره يشابه دور مانعة الصواعق التي تحميهم من الانفجار والانهيار والإحباط والجنون المطبق كما قلت سابقا، ويفش غلّهم في المعتدين عن طريق السخرية منهم – من المعتدين طبعا-ومن إنجازاتهم الوهمية وانتصاراتهم المتخيلة وتحويلها إلى اضحوكة……محض اضحوكة.
أما الكاتب الساخر فهو مريض على الأغلب بالتمرد الدائم على الواقع المعيوش، مريض بالتمرد على البداهات التقليدية، مريض يتأوه ويتنهد ويتعذب، فتخرج أناته على شكل خليط سخري عجيب وفوضوي …من السخرية والمرارة والمقاومة والعبث والعدمية أحيانا.
مريض بالسعي الدائم والدائب والقلق في البحث عن أساليب مناسبة للتعبير عن واقع يعيشه مع بقية الناس …. واقع لا يرونه ولا يقرؤونه في الجرائد الرسمية ولا في تصريحات وزراء الإعلام وكتاب السلطة.
الكاتب الساخر مريض …. أعترف بذلك!!
لكنه طبيب أيضا …. طبيب لا يعالج ولا يشفي، لكنه يشخص ويوثق لمجتمعه…يشخص عيوب السلطات أمام الناس.
وهو لا يكتفي بذلك، بل يشخص أخطاء الناس ايضا وممارساتهم التي يصورها بشكل كاريكاتيري يجعلهم يعون ممارساتهم المغلوطة، لعلهم يفكرون أكثر إذا قرروا ممارستها مرة اخرى.
يشخص الساخر ممارسات الناس السلبية التي تضر بهم وبمصالحهم وتحتقر انسانيتهم، وينتقدهم لأنهم لا يقاومون الفساد والخواء ويضعون الحق على الطليان، وعلى القامعين الذين يتفرعنون على الناس ما دام الناس أدمنوا الصمت بجرعات زائدة.
وليس آخرا
نحن نقوم بدب الصوت وتحذير الناس من الفساد وسوء الإدارة وعواقبهما الوخيمة على المجتمع، التي ستؤدي في النهاية الى انهيارنا، جميعا وتحولنا إلى أشلاء في أرجاء الأرض بلا تاريخ ولا كرامة.
= هي معركة مصيرية، أن نبتسم في وجه الصعاب ونحول انتصار الأعداء إلى مهزلة تحرمهم من لذه الفوز، وأن نثير مكامن الانفعالات الإيجابية في الروح البشرية، من أجل مستقبل أكثر عدلا وأقل تجهما وكآبة.
وإنها لقهقهة حتى النصر