سواليف
بدم بارد، قام أبو ركان قبل أعوام، بارتكاب جريمة تقشعر لها الأبدان، عندما طعن شخصا بواسطة “موس” طعنات عدة في بطنه حتى فارق الحياة.
لم يكتف أبو ركان بذلك، بل قام بتقطيع الجثة وسلخ اللحم عن العظام ليفرمه فيما بعد بواسطة “مفرمة” ووضع اللحم والعظام في أكياس سوداء حملها الى سد الملك طلال وقام بنثرها داخل السد، أما العظام، فقد أشعل بها النار حتى تحولت رمادا لغايات إخفاء آثار جريمته.
هذه الجريمة البشعة، حصلت عندما استثمر أبو ركان في إحدى المناطق، عمارة مكونة من محلات على ساحة مجمع باصات، وكان الشخص الذي راح ضحية هذه الجريمة مستأجرا لمحل منه بمبلغ 90 دينارا شهريا.
لكن أجرة المحل تراكمت على المستأجر الضحية، ما دفع أبو ركان لإقامة دعوى قضائية موضوعها إخلاء مأجور ومطالبة بالأجور، حسب ما ورد في لائحة قرار الاتهام من ملفات القضاء.
بعد أيام من إقامة الدعوى، توجه المستأجر إلى المحل الذي كان يعمل به المتهم أبو ركان في العمارة نفسها، بقصد حل الخلاف بينهما، إلا أن ذلك لم يتم، وبدلا من ذلك وقعت مشاجرة بينهما نفذ على إثرها أبو ركان جريمته وحاول بعثرة الأدلة كي لا يتم اكتشاف أمره.
حاول أبو ركان الهرب من جريمته تحت ستار أنه يعاني من أمراض نفسية أو عقلية دفعته لارتكاب مثل هذه الجريمة المروعة، لكن المحكمة ومن خلال الجلسات كانت تلاحظ أن المتهم طبيعي، ولم تلاحظ على تصرفاته وسلوكه ما يدل على الريبة أو أنه مريض نفسي، فيما لم يقدم محامي الدفاع أي تقارير تشير إلى أي مرض نفسي.
وفي منتصف العام 2019، تم تجريم المتهم أبو ركان بجرم “القتل القصد خلافا لأحكام المادة (326) من قانون العقوبات والحكم عليه بوضعه في الأشغال الشاقة المؤقتة لمدة عشرين سنة”.
أبو ركان ليس الوحيد الذي حاول الاختفاء خلف “المرض النفسي” لمداراة جريمته، إذ هناك حالات عديدة استخدم فيها محامون هذه الذريعة لغايات إخراج موكليهم المتهمين من مسؤولية جرائم ارتكبوها أو لتخفيف العقوبة أو لإطالة أمد التقاضي على أمل تمكن محامي الدفاع من الحصول على تقارير طبية تخرج موكليهم من قفص الاتهام.
مدير عام المركز الوطني للصحة النفسية، نائل العدوان، يكشف لـ “الغد”، عن أن عدد الذين تم إدخالهم إلى المستشفى بحجة المرض النفسي بلغ 114 شخصا منذ العام 2016 حتى 2019، من بينهم 54 شخصا حولتهم المحكمة لبيان قدراتهم العقلية والنفسية، مشيرا إلى أن الإجراءات الطبية كشفت عن أنهم “لا يعانون من أمراض نفسية”.
أما الباقون الذين تم توثيقهم في سجلات المركز الوطني، فقد تبين أنهم يعانون من اضطرابات نفسية كالتخلف العقلي ومرض الذهان والقلق النفسي وغيرها من الأمراض، حيث تحتاج هذه التقارير، وفق العدوان، إلى وقت من أجل مراقبة المريض وفحص قدراته العقلية قبل اعتماد التقرير الذي يرسل إلى المحكمة.
والمركز الوطني للصحة النفسية في لواء ماحص والفحيص، كان بحسب ما أكد العدوان، بحاجة لتحسين واقع بعض الخدمات الإدارية، منها المبنى القديم للقسم القضائي، إذ أصبح بحاجة للتوسعة وزيادة عدد الغرف والمرافق والأسرّة للنهوض بخدماته كي تتماشى وأعلى المعايير الدولية لحقوق الإنسان وحفظ كرامته، ومن هنا جاء إنشاء القسم القضائي الجديد المتوقع افتتاحه رسميا مطلع العام المقبل.
ووفق إحصائية المركز الوطني للعام 2018، يقدر عدد المرضى الذين دخلوا وتلقوا العلاج 2720 مريضا منهم 860 أنثى و1860 ذكرا، توفي منهم 6 حالات فقط، حيث كانت نسبة الإشغال 83 %.
يغتصب عشرينية في منزلها
ومن بين القصص الأخرى ذات العلاقة، ما حدث العام الماضي، حيث تعرضت العشرينية إسراء (اسم مستعار)، لمحاولة اغتصابٍ من قِبل شاب ثلاثيني اقتحم منزلها عنوة وحاول اغتصابها تحت التهديد وضربها على رأسها حتى وقعت مغشيا عليها أثناء محاولاتها بالهرب منها، ولم تكن الشابة تعرف هذا الشاب من قبل، وعندما طلبت منه التعريف على نفسه، قال لها إنه من طرف خالتها حسب أقواله أمام المحكمة.
وفي تفاصيل الحادثة أيضا، حاولت الشابة إغلاق الباب، إلا أن المتهم قام بدفع الباب والدخول عنوة ووضع يده على فمها لمنعها من الصراخ، حسب ما ورد في القرار القضائي الذي صدر العام الحالي، وعندما غادر المتهم المنزل استطاعت الشابة إسراء، أخذ أرقام لوحة مركبته وأوصافها وعندها قامت بالاتصال بشقيقتها واخبارها بما حصل معها واخبار والدها أيضا، وقدمت الشكوى لكنها عادت وأسقطت حقها الشخصي عن المتهم.
ونظراً لإسقاط المجني عليها حقها الشخصي عن المتهم، أسندت النيابة العامة له تهمة “جناية الاغتصاب وفقاً لأحكام المادة (1 / 292 / أ) من قانون العقوبات”، وقضت بوضعه في الأشغال الشاقة المؤقتة لمدة سبعة أعوام ونصف بدلا من خمسة عشر عاما.
لكن المتهم لجأ أثناء ذلك، إلى محاولة الهروب من جريمته بالادعاء أنه “يعاني من مرض نفسي” وعليه تم تحويله إلى المركز الوطني لبيان ادعاءاته، غير أن الشاهد الدكتور (م.ذ) اختصاصي الأمراض النفسية في المركز الوطني للصحة النفسية فصل بالقضية حيث قال، “بعد إجراء الفحص النفسي والعقلي للمتهم ومراقبته داخل المستشفى على فترات متقطعة، تبين أنه لم يستدل على أعراض مرض عقلي أو نفسي وأنه يعتبر مدركا ولم يلحظ عليه أي أعراض لمرض الفصام العقلي”.
وفي ظل التقارير الطبية والادعاءات التي يستخدمها بعض المحامين لإطالة أمد التقاضي، والتي انتشرت بين أدراج المحاكم، أوضح رئيس مركز “عدالة” لحقوق الإنسان، المحامي عاصم ربابعة، أن هذه الادعاءات تعد من ضمانات المحاكمة العادلة، وأن بعض المحامين يستخدمون هذا الأسلوب فقط لخدمة القضية.
من جهته، قال اختصاصي الأمراض النفسية في المركز، سامر عطية،
لـ “الغد”، إن علاج المرض النفسي (العقلي وإدمان المخدرات والاضطرابات السلوكية) يعتمد على شقين: أحدهما سلوكي والثاني دوائي، أما السلوكي فيتم علاجه من خلال عقد جلسات لتبديد الفكر السلبي لدى المريض بأفكار أكثر إيجابية، مشيرا إلى أن المريض يخضع لعدة جلسات علاجية للكشف عن قدراته العقلية والنفسية، وعليه يتم الكشف عن ادعاءاته بالاعتماد إلى أساليب طبية معينة.