صناعة الطغيان 2/2 …. / سالم الفلاحات

صناعة الطغيان 2/2

ذكرنا في المقال السابق خطوتين من خطوات صناعة الطغيان هما: تقسيم المجتمع إلى نحن وهم، والثانية طاعة الأوامر.

أما ما تستفيده من علم الاجتماع وعلم النفس في هذا الموضوع وهو نهايات الطاعة المطلقة، وهو جدير بالتوقف ومصارحة الذات فيقولون:- أن الفرد في المجموع العام يشعر أولاً بجهله مقابل علمهم، وضعفه وفرديته أمام جمعهم، وتواضع إمكاناته أمام خبراتهم وقدراتهم.

إنه يشعر بسطوة المجموع وهيمنته، لذا فمن الأسلم له الابتعاد عن صدامهم، ولئلا يدفع ثمن مخالفته كبيراً ولئلا يعاب عليه التخلي والتراجع ويوصم بالخوف والنكوص ونقض العهد و….

إذن فعندما يكون جزءاً من (نحن) المقدسة بينما (هم) الأنجاس وأصحاب الأجندة الخارجية… إلى نهاية الأوصاف الشيطانية، ويصبح يشعر أن طاعة مجموع (الأنا) خير كلها، ولازمة لا محالة ومن مستلزمات الوطنية والانتماء والدين والعبادة، وأنْ (لا) خسارة ومغامرة لا يطيقها، وأن الحماية في مظلتها فقط، وأن أخطاءها مهما كانت يجب أن تكون مغفورة لتحقيق المصلحة الكبرى، فيمكن الآن أن يوجَّه لتسجيل نقاط جديدة في مرمى الـ (هم) لصالح الـ (أنا) أو (نحن) حتى لو لم يقتنع بكثير منها، فلعل حكمةً غابت عنه ولا يعرفها إلا أولوا الأمر عنه وليس من المصلحة أن يطلعوه عليها وهي الخطوة التالية.

الخطوة الثالثة: والتي تتلخص في إلحاق الضرر بالآخرين، والآخرون هنا تتراوح بين فئة من يخالف (الأنا) الرأي، ويجتهد بأسلوب آخر، أو يتخلى عن التبعية ويغادر المجموع لسبب أو لآخر وينتقد (الأنا) أو حتى لو لم ينتقدهم فقد ارتكب جريمة التفكير المستقل المخالف، وعندنا أن الاجتهاد في غير النص الشرعي القاطع ذي الدلالة القطعية محمود ومأجور أصاب صاحبه أو أخطأ.

وتنفيذ إلحاق الضرر بـ (هم) يتدرج بين الاتهام أو الحرمان أو الأذى الجسدي أو يتجاوز ذلك.

· وهنا يستخدم سلاح التبرير بأنواعه التبرير العلماني، التبرير الغرائزي، التبرير الوطني، التبرير الشرعي، التبرير المصلحي، التبرير الحزبي، التبرير الدعوي…

· فلا مانع من شيطنة الآخر حقيقة أو حتى من باب (الاحتياط الاستباقي) بحق أو باطل (فنحن أو الأنا في معركة وجود!!)، وهذا مشتهر عند الدكتاتوريين بأنواعهم على مدار التاريخ.

· ولا مانع من الكذب لتحقيق الغاية العامة للمجموع (للأنا المقدسة) بل ويصبح الكذب فضيلة أو ضرورة، ومن أجل حماية الأنا والتي هي مبتغى الهدف الوطني والغائب المنتظر بل والمهدي المنتظر..

الخطوة الرابعة: وبعد هذا التسلسل الهادئ المتدرج والمستغرق لوقت طويل مع الفرد يصبح مألوفاً ومحموداً وعادياً ولا يستدعي المراجعة ويصبح الفرد جزءاً من المنظومة وسناً في دولابها لو توقف لأنكسر وتحطم.. حتى إنْ طُلب منه ما يخالف قناعته بل ويصدمه بقوة وجعله يتردد، قيل له: حدد موقفك واستجب وإلا تنحّ جانباً، أو سننحيك نحن وسترى ما يجري لك.. وفي الأنظمة الحديدية قد يصفى المتردد ويتهم بالانتحار – أو ما دون ذلك التشويش والاغتيال الشخصي.

وفي هذه الحالة تكون الأنظمة والجماعات أشد عداء للمخالف لها، والمنتقد لمواقفها، أو المنشق عنها، أشد عداءً مع سواه، وتتعامل معهم بقسوة أعظم لأنها تستشعر خطرهم عليها.

وخوفاً من الوصول إلى هذه الحالة وربما عمد كثيرون إلى الصمت والسلبية أو حتى تنفيذ كل المطلوب مهما كان مخالفاً للقناعات وبأعلى المستويات، لأن الرفض مكلف معنوياً ومادياً وقد لا يقوى عليه، من هنا نرى قيام البعض بمهام قذرة جداً قد تصل لمرحلة التصفية الجسدية للآخر.

وعند تعمق مفهوم (نحن) المقدس (وهُمْ) الشياطين – كثيراً – والطاعة الواجبة والاستعداد لتنفذ ما لا يقتنع به الفرد للأسباب السابقة تصل إلى المرحلة التالية.

الخطوة الخامسة والأخيرة:- وهي مرحلة الإبادة (والعياذ بالله)، وعندما تملك القيادة السلطة المطلقة وتكون جميع أدواتها النفسية والثقافية والمعنوية والمادية بيدها تبدأ عملية الإبادة والتطهير أو الطغيان والتسلط.

ويتم من كبار (المشاغبين) والمعارضين والمنتقدين و… ومن غيرهم بالقوة ومن يتجانس معهم في التفكير إمَّا جسدياً أو من إمكانية تأثيرهم في المجتمع، أو معنوياً.. وتحويل البقية إلى (قطيع منسجم متجانس!!!) في سلوكه ومواقفه وإرادته وذوقه، وتهيمن فكرة التطهير لتحقق الطهارة للأمة، للدولة، للكيان الاجتماعي أو السياسي من الـ (هم) الفاسدين المجرمين الخوارج المتطرفين المفرطين الـ……

ويتم إقصاؤهم عن مواقع التأثير وحرمانهم وتشويههم – وليشهد عذابهم طائفة من المؤمنين أو المراقبين في المجتمع، وليكون لهم في القصاص حياة وهكذا يتحقق الطغيان بهذه الخطوات الخمس المذكورة وقد تحرق بعض المراحل عند اللزوم.

إذا نظر الإنسان العادي السوي، والمسلم الواعي المبصر إلى الوصف السابق استنكره واستهجنه وظنه فقط في عهد الفراعنة وإرم وثمود والدول الحديدية في القرن الماضي فقط.

ولكنه إن دقق النظر وتخلص من المؤثرات الجانبية والعواطف وجده على مقربة منه أو في داخل بيته الكبير!!

فهل ننتفع نحن بعلم غيرنا في العلوم المحايدة ونعرض أنفسنا على التجارب البشرية المدروسة أم أن نبقى بنعمة التفوق والكمال والخيرية التي لا تعتريها شائبة ؟

فكرة المقال من مادة وثائقية بعنوان: Five steps to tyranny

سالم الفلاحات

12/12/2015م

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى