متى سأرى وطني؟

مقال الثلاثاء 27-11-2018
متى سأرى وطني؟
أنا أنتمي إلى سلالة بشرية لا تعمّر في الخلق كثيراً، جدّي الأول والثاني وأبي وأعمامي كلهم لم يفرحوا بالعقد السادس من أعمارهم، ما أن استراحوا ومدّوا أرجلهم آناء العمر الا وملك الموت يقف في عتبة البيت يبتسم لهم مصدراً فرمانه بالتحاقهم إلى فيالق الراحلين ، ولو قمنا بمراجعة سريعة للصور والبراويز في مضافات العائلة ، لاكتشفنا أن وجوه المراحيم (خاصتي) خالية من التجاعيد ، لا بل جل الشوارب واللحى سوداء تسرّ الناظرين ونظرات شابة وحادة وكأنهم جنود في جيش أرطغرول..لكن هذه الملامح الرجولية والمظاهر الشبوبية لم تكن تشفع لهم من موت الفجأة..لم يمرض أياً منهم، لم يوص أياً منهم وصيته..جميعهم حضروا نشرات الأخبار ، ناموا ،ماتوا.
أبي رحمه الله ، كن يحلم بدولة قوية ،ووطن عادل ،وقوانين تسري على الجميع ، ومواطنة وكرامة يحسّ بها لا يسمعها من أفواه المدّعين على التلفاز ، كان يتمنى أن يمارس مواطنته ويتباهى بكرامته عندما يدخل مركز اقتراع او دائرة حكومية أو يراجع مركزاً صحيّاً، كان مثلي لديه هاجس :متى سنرى الوطن كما كنا نراه في الدفاتر وكتب القراءة بالصفوف الأولى..لم يفرح أبي ،حضر نشرة الأخبار، نام ، انهار، ومات قبل انهيار الدينار عام 1989.
وبما أن متوسّط أعمار عائلتي – والأعمار بيد الله طبعاً- هي 60عاماً ، فأنني قد قطعت الآن مرغماً أكثر من ثلثي عمري، السؤال الملحّ الذي أفكّر به ليل نهار..هل أمضي الثلث الأخير من العمر في كبد ومحاولات اصلاح ومقاومة ضد كل السرسرية الذين يختطفون الوطن ، ثم أحضر نشرة الأخبار كما فعل مراحيم العائلة الذين سبقوني وأموت بغتةً..أم أنني اترك هذا “الهبل” وأبحث عن وطن فيه كل مواصفات الحلم التي رواد أبي وراودني، صدقاً أنا الآن وفي هذه اللحظات منصبّ التفكير على هذا القرار ، الوطن ليس على مفترق طرق أنا الذي على مفترق طرق منه تماماً ، أما أن انتظر دوري حتى يفرغ لي ملك الموت ليناولني “فاتورة” الوفاة فجأة وأنا أقاتل ، وإما ان انسحب وأنام على ركبة وطن جديد ،هانىء يحترم إنسانيتي كإنسان ومواطنتي كمواطن وأؤسس راحة البال لذريتي من بعدي، طبعاً اذا غادرته سأغادره مع حزني ووجعي ودموعي لأنني فشلت في إصلاحه ومع عبارات كثيرة ساكتبها من دمي أني “خذلتك ورحلت”..بالمقابل الا يحق لي ان أرتاح؟ الا يحق لي أن أرى وجه وطن الذي أحلم وأتمنى ؟ ما ذنب أولادي ليعانوا مثلي..صدقاً لا أدري..

يا لهذا الحلم الذي قضى على نصف العائلة!!.
احمد حسن الزعبي
ahmedalzoubi@hotmail.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

‫6 تعليقات

  1. ” إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ ۚ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ ۚ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ” صدق الله العظيم .

    1. لا تستطيع أن ترحل….فكيف تستطيع و ” الوطن يسْكنك “…لقد صدق من قال : ” إأننا نسْكن الوطن والوطن أيضا
      “يسْكننا “

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى