#مبتدأ_وخبر / د. هاشم غرايبة

#مبتدأ_وخبر
اطمئنوا … حامد بخير
المبتدأ: هي قصة حدثت في قريتنا في الخمسينيات، في تلك الأيام لم يكن هناك مستشفى في اربد، ولما أصاب أحد رجال القرية (حامد) ما استدعى ادخاله المستشفى، نقل الى عمان، الواجب كان يقتضى من كل أهل القرية زيارة من يمرض منهم، إلا أن هذه الحالة مستثناة لبعد الشقة وصعوبة المواصلات آنذاك، فكان الإعتماد على من كانوا يعملون في عمان من أبناء القرية لطمأنتهم على أخباره، أحد هؤلاء كان (أبو خالد)، لما عاد يوم الخميس كالعادة الى القرية، شعر بالحرج لأنه فطن الى أنه لم يزر (حامد) كما يفترض به، لكنه فور نزوله من الباص لم يذهب الى بيته منتظرا أن يأتي من يسأله عن أخبار حامد بل يمم شطر بيت أهله، وحينما دخل لم يتنبه الى العدد الكبير المتجمهر في صحن الدار فقد كان شغله الشاغل أن يدرأ عن نفسه تهمة التقصير في تأدية الواجب، وبدلا من أن ينتظر سماع السؤال المعتاد عن صحة حامد، بادر قائلا: يا جماعه .. من حيث حامد لا يكون لكم فكر، أنا تركته بخير وهو يسلم عليكم .
نظر البعض اليه شزرا في صمت، وأحس بالصدمة وهو يرى جسد الميت مسجى في صدر البيت، فقد توفي حامد في الليلة الماضية وتم احضاره منذ الصباح لدفنه.
الخبر: أتذكر هذه القصة كلما حدثت كارثة طبيعية في بلد ما أو حادث جسيم، وسارعت وزارة الخارجية للتو واللحظة بإصدار بيان ، بأن معلومات وصلتها من السفارة الأردنية في ذلك البلد، تطمئن المواطنين فيه على أنه ليس من بين الضحايا أردنيون، رغم أنني أكاد أجزم بأن السلطات المعنية في ذلك البلد لم تكن قد أحصت بعد عدد الضحايا، ناهيك عن تحديد هوياتهم وجنسياتهم.
جميع المغتربين والمسافرين الأردنيين يتوافقون على أن إحساسهم بوجود سفارة حيث يقيمون معدوم، ولولا المعاملات الرسمية التي يحتاجون فيها السفارة أو القنصلية، لما عرفوا عنوانها.
كما قد شكى كثيرون ممن حصل معهم ما يستدعى المساعدة من السفارة، بأن أرقام الهواتف المعلنة من أجل الإتصال بها، لا ترد على المتصل، وإن ردت ففرصة الإستجابة ضئيلة، وإن حدثت الإستجابة فالنفع منها معدوم.
القضية ليست في تكاسل الموظفين و لاتقاعسهم عن أداء واجبهم، فلا شك في أن الأردني أينما كان فهو نشمي وأهل للنخوة، لكن النظام السياسي وتربيته البيروقراطية، قد حدد مواصفات لمن يشغلون المناصب الديبلوماسية، بأن يكونوا من أبناء السيستم، أي ممن ينتمون الى عائلات بعينها تتوارث المناصب الرفيعة، ويجري توزيعها بينهم بناء على محاصصة تدخل فيها معادلات توازن بين الولاء للنظام والمحسوبيات والجهويات وارضاء أعمدته، الذين هم نسل من نالوا الحظوة منذ تأسيس امارة شرق الأردن، لذلك فالمناصب الرفيعة أعطيات ومكرمات، لا يليها من استحقها لجدارة، فلا ينجح في الإضطلاع بما تستوجبه من مهام إلا من رحم ربي.
ربما لا نتجنى على الإنصاف إن عممنا هذا المسلك على كل الأنظمة العربية، فكلها تخرجت عن الشيخ ذاته، لذلك تجد عشرين سفارة عربية في عاصمة ما، تتساوى في الغياب عن التأثير في ذلك البلد وعدم الحضور الإعلامي فيه، فيما تجد سفارة الكيان اللقيط، وحيدة مقابل الكثرة العربية الفارغة من المحتوى، لكنها مؤثرة فاعلة ويحسب لها ألف حساب، ولو حدث ليهودي عابر سبيل أي أذى، تجدها أول من يعلم وآخر من يهدأ، بينما لو اعتقل عشرات من رعايا أية دولة عربية، لما علمت أية سفارة عربية بذلك، ولا تمعر وجه سفير ولا توتر له عرق، بل تحلى بالصبر الجميل، واكتفى -لرفع العتب- برسالة استفسار مهذب الى وزارة الخارجية، وانتظر رداً سيكتفي به مهما كان، ثم تصدر الخارجية تصريحا بأن السفارة تتابع الوضع عن كثب!.
دائما ما تكون الصورة الخارجية لأي نظام حكم انعكاسا لصورته الداخلية في عيون شعبه، فمن ينجح داخليا ويخدم شعبه فيرضيهم، ينجح خارجيا فينال احترام الآخرين.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى