مبتدأ وخبر

مبتدأ وخبر
د. هاشم غرايبه

المبتدأ: أثناء تجوالي بين أشجار الزيتون، لاحظت مايشبه نشارة الخشب، وأعلم أن ذلك دلالة على وجود حشرة تسمى حفار الساق، وهذه الحشرة تبيض بيوضا، تفقس يرقات نهمة تحفر في الساق أنفاقا، وتنتقل الى الفروع فتبدأ الشجرة بالجفاف الى أن تموت.
رغم أنني أعلم خطورة هذه الحشرة إلا أنني لم أقلق كثيرا، إذ قلت في نفسي هذه الشجرة سامقة نضرة، وساقها قوية، ولا يمكن لهذه الحشرة أن تؤثر فيها، ولا داعي للعجلة في المعالجة.
نسيت أمرها وغفلت عن المعالجة الى أن عدت بعد شهور لأفاجأ بأن أجزاء من الشجرة قد يبست، عندها أسرعت الى المعالجة، لكن هيهات، فقد امتد الخراب حتى الى الفروع الصغيرة، ولم تفلح كل المبيدات في محاربة اليرقات التي غزت كل غصن منها، ولم تمض فترة طويلة حتى يبست الشجرة كلها وباتت بلا أوراق بل أغصانا نخرة تنكسر لمجرد هبة ريح قوية.
الخبر: نشر مكتب زيد النابلسي للمحاماة بيانا ينبه في الى أن فصول ضياع شركة الفوسفات (التي كانت المورد الرئيس للأردن)، قد اكتملت بالأمس حينما تم بيع أسهم ما دعيت بشركة “كاميل القابضة” المجهولة الهوية والمالكين، الى شركتين هنديتين، وبذلك باتت جميع الأراضي الأردنية التي تحتوي مادة الفوسفات تحت سيطرة أجنبية، وذهب فوسفات الأردن مثلما ذهبت باقي موارده من إسمنت وبوتاس وبرومين ومؤسسة الإتصالات، والمطار والميناء الوحيدين، وهدمت صوامعه وباتت الحبوب تخزن في العراء.
للتذكير بقصة هذ المأساة التي ألمت بالأردن جراء استشراء الفساد المحصن من الملاحقة، لنعد الى عام 2012، فبعد أن زكمت رائحة الفساد الأنوف في الأردن، وزادت الحكومة من الضرائب والرسوم بعد أن بيعت كل ممتلكات الدولة من شركات تعدين واتصالات ومناجم بذريعة الخصخصة المشؤومة، فضاعت الموارد التي كانت ترفد الخزينة، فيما تبخرت الأموال التي تحققت جراء هذا البيع، وأصبحت قصص الفساد الكبرى على كل لسان، وعم البلاء فكل يوم كانت تتكشف قصة جديدة، عندها اضطر مجلس النواب لتشكيل لجنة تحقيق فيما كان يشاع عن تجاوزات صارخة في عمليات الخصخصة، ثم تم توجيه الأنظار الى قضية خصخصة الفوسفات فقط لإغفال القضايا الأخرى.
خلصت اللجنة الى نتائج خطيرة، حيث انكشف تورط على المستويات الرفيعة في الدولة، لذلك خوفا من عواقب ذلك عليها ارتأت اللجنة تكليف مكتب “زيد النابلسي للمحاماة” بصياغة التقرير النهائي.
وتبين للجنة أن عطاء بيع ما تبقى من حصة الحكومة في الشركة عام 2005، الذي انخفض الى 37 %، قد تعرض الى تجاوزات خطيرة للمبادئ القانونية، حيث كان سعر السهم آنذاك قد جرى تخفيضه بشكل مشبوه الى أقل من نصف قيمته التي كان عليها قبل سنة، فنزل الى 4.2 دينار، فيما تسابقت شركات عالمية كثيرة لشرائه بسعر يفوق 4.5 دينار لعلمها بقيمته الحقيقية، لكن المفاجأة أنه قيل أنه تم الإتفاق خارج الأسس المتعارف عليها في إرساء البيع للأعلى سعرا، وقيل أنه لسلطنة بروناي وبمبلغ 2.8 دينار للسهم الواحد أي حوالي نصف القيمة المعروضة.
وعندما سألت اللجنة الوزراء المعنيين عن ذلك، أنكروا علمهم أو عرض الأمر على مجلس الوزراء، كما أن اللجنة لم تجد أي عرض مقدم من بروناي، ووجدوا في إتفاقية البيع شطب اسم ممثل حكومة بروناي بصفتها الطرف المشتري، ووضع بخط اليد “شركة كاميل هولدنغ”، والتي لم تجد اللجنة لها أصلا معروفا ولم تتمكن من معرفة مالكها الحقيقي.
ونذكر جميعا المهزلة التي حدثت في مجلس النواب آنذاك، فبدلا من يأخذ المجلس بتوصيات لجنته بتقديم عدد من كبار المسؤولين في الحكومة الى المحاكمة، جاءت الـ (ألو) اللعينة ليصوّت على اغلاق القضية ومنع ملاحقة أي من المتورطين، تحت عنوان: عفا الله عما مضى ولنبدأ صفحة جديدة، وذلك أملاً في أن يتوقف (حفار الساق) من الآن وصاعدا عن تخريبه في الشجرة التي يعيش في كنفها ويأكل من خيرها.
لكن هيهات.. أبناء الأردن يعيشون من خير زيتونتهم، لذلك يحبونها ويحافظون عليها لتنتج ثمرا.
لكن حفار الساق لا ينتظر الثمار، طالما بإمكانه الحفر لامتصاص العصارة قبل وصولها اليها.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى