مبتدأ وخبر

#مبتدأ_وخبر

د. #هاشم_غرايبه

المبتدأ: على الرغم من أن “حسنية” لم تكن الوحيدة التي فاتها قطار الزواج، ففي بلدتها كثيرات غيرها جاوزن الخمسين ولم يتح لهن الزواج.
ظلت صابرة ترتقب، يحدوها الأمل بأن يهدي الله أحد أبناء عمومتها الكثيرين فيطلب يدها، لكن لم يحدث ذلك مطلقا، رغم أن المسكينة لم تكن مؤهلاتها من مال أو جمال تقل عمّن تزوجن، لكنها لم تيأس، فكلما تزوجت فتاة من أقاربها إتّقد عندها بصيص الأمل الذاوي من جديد، فها هي واحدة خرجت من قائمة التنافس وبالتالي ازدادت فرصتها.
عندما كان البعض يحاول مماحكتها فيسألها السؤال اللئيم: ما هي أخبارك.. ألم تتزوجي بعد!؟، كانت ترد دائما وهي تدير وجهها: ما عندي خالات، وتأبى أن تزيد على ذلك الرد بكلمة، فمن فهم مغزى كلامها يتولى تفسيره لمن لم يفهمه: لمّا كانت أمها بلا أخوات فلم يكن هنالك لها من خالات، واللواتي هن بالعادة يسوّقن بنات أخواتهن لأن الأم تخجل من فعل ذلك مباشرة، وبذلك فالخالات عادة يرتبن الزيجات خلف الكواليس.
لذلك اعتقدت “حسنية” أن سوء حظها كان سببه أنه لا خالة لها.
الخبر: على الرغم من كثرة عدد الداخلين والخارجين الى سلك (الوزرنة) في الأردن، بسبب كثرة تشكيل الحكومات وحلها والتعديلات بين الحين والآخر، إلا أن هذه العملية لا تعود لنجاح البعض أو فشلهم، ولا بسبب الإلتزام أو عدمه بخطاب التشكيل، ولا بسبب الإخفاق في الإستجابة لـ (الرؤى) والتوجيهات… بل هي في أغلب الحالات تلبية لمطالب الخالات.
الخالات المؤثرة في الأردن كثيرة ومتنوعة، وأقواها تأثيرا تلك الخارجية ومن وراء البحار، فمقاعدها محجوزة ومنتقاة، ثم تأتي الخالات الإقليمية من دول الجوار المؤثرة، سواء تلك الخالو اللئيمة القابعة غرب النهر، أو الأشقاء اللدودين، لكن هذه تخضع لعوامل التغيرات المناخية فقد تهب الرياح من جهة وقد تتغير اتجاهاتها وفق المصالح والضغوط، وفي كل حالة يكون للخالة من تلك الجهة حصتها.
أما الخالات المحلية فهي التي عليها التنافس الأعظم، فهنالك مراكز قوى تعتبر من أعمدة النظام أسست لها حقا مكتسبا، لا تزيد عليه لكن لا تفرط فيه، لذلك تجد وزراء، تتغير الحكومات لكنهم ثابتون لا يهزهم ريح، وإن تغيروا بعد عمر طويل يتسلم الراية من بعدهم خلف للخالة ذاتها.
وخالات تاريخية وهي تكون في نسل أحد الأشخاص الذين اعتمد الملك المؤسس عبدالله عليهم في تثبيت ملكه، وتبقى لهم الأعطية هذه يتوارثونها أباً عن جد.
وهنالك خالات متغيرة وهي المناطقية والتي وإن كثرت إلا أنها تبقى ضمن معادلة محسوبة بدقة شديدة، فعندما تشعر الدولة العميقة ( التي تتولى التنسيق وترتيب اللأمور استجابة لمطالب المتناقضة لكل الخالات)، عندما تشعر باختلال المعادلة، تبادر الى إجراء تعديل وزاري أو تبديلات في المناصب العليا.
منذ تأسست الدولة الأردنية، ظلت الوسيلة الناجحة التي تمكن النظام من جعل الولاء له هوالمتطلب الوحيد لشغل المراكز الهامة في الدولة، هي لعبة الكراسي الموسيقية : إذ يدور الطامحون حول العازف وهم يهزجون ويحمدون، وحين تتوقف الموسيقى فجأة يتراكضون الى الكراسي، من سوء حظ البعض أنهم يجدون الكرسي الذي سبقوا الآخرين إليه لأنهم اعتقدوه خاليا، يجدونه محجوزا من إحدى الخالات، فتموت فرحته قبل أن تولد.
لا أظن أن ما يحدث في باقي أقطار العروبة مختلف عن هذا، قد يختلف التوزيع الموسيقي للمعزوفة فقط، فجميع الأنظمة من العلبة ذاتها.
ولعل ذلك يفسر الأحجية التي أعيى الناس فهمها: لماذا تتغير الحكومات ويتبدل الوزراء ويبقى الحال مائلا والفشل ماثلاً!.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى