مبتدأ وخبر

مبتدأ وخبر
د. هاشم غرايبه

المبتدأ: على الرغم من أن الآخرين كانوا يحسدون أم عزيز على أن زوجها موظف، له راتب ثابت، وليست مثل أخواتها اللواتي يعمل أزواجهن باليومية، إلا أن حياتها كانت الأتعس، فلم يطلع أبوعزيز زوجته على دخله، ولم يقر لها بالعلاوات ولا المكافآت، ولا بقيمة العمل الإضافي، الذي يتقاضاه، بل كان يعطيها خمسين دينارا شهريا لتتدبر به كل نفقات البيت، لذلك كانت تعاني ضنكاً مزمناً، وتقتر في المصاريف لكي يمر الشهر على خير.
وعندما تطالب زوجها بأكثر يحتج بأنه يستدين الخمسين دينارا أصلا، لأن راتبه يذهب لسداد كمبيالات وديون، فيما كان معارفه المقربون يعلمون أنه مديون حقا، لكنهم لا يصرحون بالسبب بل يكتفون بغمزة توحي أنه أمر مذموم.
وكلما وسطت أحدا، كرر العبارة ذاتها: من أين يا حسرة فراتبي مائتي دينار، وعليّ كمبيالات وسلف وديون بقيمة مائة وخمسون ديناراً يجب أن أسددها شهريا، فيسكت الوسيط، ولا يكذبّه، رغم أنه يعلم أن ديونه معلقة لم يسدد منها شيئا، وراتبه مع العلاوات أكثر من اربعماية دينار، وتسكت أم عزيز مغلوبة على أمرها.
الخبر: أعلن الكيان اللقيط أنه بدأ بضخ الغاز الى الأردن، تنفيذا لاتفاقية وقعت قبل خمسة أعوام ولم تنشر بنودها الى اليوم، طوال هذه الفترة تمكنت الدولة الأردنية من المماطلة أمام الضغوط الشعبية الرافضة لصفقة شراء الغاز الذي يسرقه الكيان اللقيط من فلسطين، لم يكن هناك من حاجة لتبرير هذه الصفقة بدوافع اقتصادية، فقد انكشف الأمر حينما أعلنت “هيلاري كلينتون” في عام 2014، إبان كونها وزيرة للخارجية، عن نجاحها في إقناع قيادتي الأردن ومصر بها، لذلك لم يعد من قيمة لكل النقاشات المؤيدة أو المعارضة، فقد قضي الأمر الذي فيه يستفتون.
إذاً فالمسألة برمتها مخزية، وتمثل الخنوع الطوعي للهيمنة الصهيونية، وبلا أدنى مقاومة، يتمثل ذلك بالصورة المأساوية المتمثلة بفرض الشروط في عقد إذعان لم يحدث له مثيل، إذ حدد السعر سلفا بمبلغ 5.5 دولار لكل (MMBTU)، على أن يرفع السعر إن زاد سعر برميل نفط برنت عن 70 دولارا، وترك تحديده للتفاوض مع (شايلوك).
إذا ما علمنا أن سعر الغاز اليوم هو 2.1 دولار، فإن ذلك يعني أننا سندفع ما يقارب ثلاثة أضعاف القيمة ثمنا لذلك الغاز المسروق، فهل هنالك من عاقل يقبل بتحديد سعر سمك في البحر..وقبل صيده بخمس سنوات، ويضع على نفسه شرطا جزائيا إن لم يشترِ؟.
على أنه من المثير للشفقة تلك الجهود التي تبذلها الحكومة لتبنّي هذه الإتفاقية، والدفاع عنها لتسويق تقبلها كأنها مصلحة مختارة وليست قضاء مبرما، والكل يعلم أنها وقعتها من غير أن تقرأها ولا طرحها للنقاش…فهل يجوز أن توكل مسؤولية البلاد ومصلحة العباد الى حكومات أمّية بالإذعان.. لا تقرأ ولا تكتب!؟.
ويصبح الأمر كوميديا حينما يتنصل وزراء هذه الحكومة من المسؤولية عن هذه الكارثة، ويلقون بها على وزراء سابقين، وكأن المسؤول الحالي الذي ينفذ عقد الإذعان هذا ليس مسؤولا أمام الأمة، مع أن الدستور واضح ولا يعفي الوزير من المسؤولية عن خيانته لأمانة إدارة الشؤون العامة، ولو تلقى توجيهات من سلطة أعلى.
على أن المصيبة تعظم عندما نرى مجلس النواب وقد راودته الحكومة عن نفسه فلم يستعصم، بل اندمج في مؤامرة التضليل، وتقبل من الحكومة حجتها في عدم عرض الإتفاقية على ممثلي الأمة رقبائها على أداء السلطة التنفيذية، بأن الإتفاقية جرت بين شركتين، وليس بين دولتين، مع أن النص الدستوري واضح ولم يحدد إن كانت الإتفاقية بين الحكومة وحكومة أخرى أو شركة أو حتى مع فرد، فهو يقول انه ان كان هنالك كلف مترتبة على الخزينة جراء أية اتفاقية فيجب أخذ موافقة مجلس النواب عليها.
هذه الحالة بيع وشراء، والطرف المشتري للكهرباء المتولدة من الغاز هم مواطنون ومؤسسات عامة ودوائر حكومية، فلا شك أن الدفع للبائع سيكون من الخزينة، لذا فالفتوى التي استصدرتها الحكومة من ديوان تفسير القوانين باطلة، خاصة وأن الديوان ليس حكما على الدستور، بل الدستور هو الأعلى بين كل السلطات.
قصة الغاز ليست الفساد الوحيد، بل واحدة من عشرات الحالات من التعدي على المال العام، ولعلها تفسر سبب ضياع نصيب أم عزيز وأولادها، وإغراقهم بالديون.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى