
#مبتدأ_وخبر
د. #هاشم_غرايبه
المبتدأ: يحكى أن صياد عصافير، وبعد أن تمسك شباكه بالعصافير، كان يجمعها ويقطع رؤوسها، ثم يودعها في جراب يحمله، ولما كان الطقس قارسا والرياح شديد البرودة، فقد كانت الدموع تنهمر من عينيه، فيعمد الى مسحها بين الحين والآخر.
كان عصفوران واقفين على شجرة قريبة ينظران الى المشهد، فقال أحدهما للآخر: أنظر الى هذا الرجل ما أرق قلبه وما أرحمه، إنه يبكي حزنا على العصافير.
رد عليه الآخر: يا أبله.. أنظر الى فعل يديه ولا تنظر الى دموع عينيه!.
الخبر: كان وقع طوفان أوكتوبر عام 23 صاعقا على الكيان اللقيط وحماته، فقد أسقط كل الحسابات التي كانت تراهن على تركيع الأمة وفرض الاستسلام عليها.
لكن أكثر من صعق كانت الأنظمة العربية، فقد تكسرت الصورة التي اجتهدت في رسمها لهذا الكيان بأنه قوة لا تقهر، لذلك من العبث التصدي له ومقارعته، لتبرير تخاذلها وانهزاميتها، وتخليها عن شعارات تحرير الأرض المغتصبة الكاذبة التي كانت ترفعها دغدغة لآمال شعوبها، فيما هي عمليا تثبت وجود هذا الكيان، وتقر له بحقه فيما اغتصبه، بدءا بمعاهدات الهدنة، ثم تسليمه باقي فلسطين بمسرحية حرب حزيران، ثم بسلسلة من معاهدات السلام التطبيعية، التي أنهت أية حالة عداء معه، بل واعتبرته حليفا في مواجهة العدو المشترك لهما وهو الإسلام الجهادي المقاوم، والذي اتفقتا على تسميته بالإرهاب لشيطنته واهدار دم دعاته.
بالطبع هي تعلم أن حلفها الشيطاني هذا، هونقيض لآمال الأمة المتمسكة بعقيدتها، ومخالفة للدساتير والمبادئ التي قامت عليها أنظمة (سايس – بيكو) التي ما كانت يوما إلا صورية ومجرد نصوص مدونة لا يعمل بها، ولذلك فكل المعاهدات المبرمة مع القوى الاستعمارية الغربية هي سرية، وليست معروضة حتى على المؤسسات التشريعية ولا التنفيذية.
في بعض الأقطار تعرض صورة فضفاضة لتلك المعاهدات، بشكل معاهدة تعاون اقتصادي أو عسكري تحت مسمى المساعدات، لكن البنود الهامة فيها لا يعلم بها أحد سوى رأس الهرم السياسي، وذلك لأنها تنتقص من سيادة الدولة وتخالف الدستور والعقيدة، وهذه البنود أهمها ربط تلك المساعدات بارتهان القرار السياسي وفق مصلحة الكيان اللقيط، أو بمنح القوات العسكرية الغربية قواعد عسكرية لا تخضع لسيادة الدولة العربية، ولا حتى لاستئذانها في أي أجراء تقوم به هذه القوات في تلك الدولة او خارجها، بل ان هؤلاء الأفراد محصنون من المساءلة في حالة قيامهم بأعمال جرمية تمس المواطنين، ولا تطالهم القوانين النافذة.
الحقيقة المريرة أنه بغض النظر عن غنى أو فقر الدولة العربية، فقد أدى ذلك الى فقدان حرية القرار في التصرف في مواردها، من هنا نفهم لماذا ينعدم أي تعاون سياسي أو اقتصادي بين الأقطار العربية، إلا بإيحاء من الولايات المتحدة، أو بموافقة منها، وبالطبع لا يحدث ذلك إلا إن كانت حصة الأسد في المشروع للشركة الأمريكية، ويخدم مصلحة الكيان اللقيط، او كان فيه طرفا مشاركا يحقق له الهيمنة والتغلغل.
إن خوف هذه الأنظمة من الاستغناء عن خدماتها الجليلة هذه هو ما جعلها أكثر حماسة للقضاء على الفكرة الجهادية التي حاولت طوال القرن الماضي طمسها، لذلك شهدنا هجمة شرسة منها ومن أذنابها على ما يسمونه الإسلام السياسي، الذي يظنون أنه هو من يتبنى الفكر الجهادي، ولا يعلمون لقلة فهمهم للدين أنه أساس العقيدة، لذلك هم واهمون بأنه يمكن القضاء عليه إن قضوا على المجاهدين في القطاع، ولا يستوعبون حقيقة أن متبني فكرهم ليس حزبا سياسيا، بل هم كل المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها.
وسيلتهم الوحيدة هو التباكي على ما أصاب أهل القطاع الأباة من لأواء وبطش العدو، فلجأوا الى دعم العدو الباغي بمحاولة تحويل الأنظارعن جرائمه، الى تحميل المسؤولية عنها الى المقاومين الإسلاميين.
الدموع التي يذرفها هؤلاء كدموع الصياد، فهي ليست رحمة بأهل القطاع، لأن فعل أيديهم يكذب ذلك، فهم يحاصرونهم منذ ثمانية عشر عاما، وبأشد صرامة من حصار العدو لهم، بهدف الضغط لأجل أن ينفضوا عن المقاومة الاسلامية.
كما أن مؤيدي الأنظمة من السلفيين الاستساخيين، كاذبون في تباكيهم على معاناة الغزاوية، وادعاء تمسكهم بالتوحيد، فمخالفة أمر الله بموالاة الكافرين على المؤمنين أشد إثما من زيارة القبور.