
#مبتدأ_وخبر
د. #هاشم_غرايبه
المبتدأ: بينما كان الأسد ملك الغابة يتجول في أرجائها ليتفقد أحوال الرعية، مرّ بأجمة فيها تجمع كثيف للبعوض، ورغم أنها لم تشكل أي أذى للأسد، إلا أنه أزعجه طنينها، وبضربة واحدة صرع منها أكثر من عشرين.
اهتاج البعوض لهذا العدوان، فتنادت للنجدة، قال كبار السن منها: ماذا بوسعنا أن نفعل؟ ليس بيدنا أكثر من أن نرفع للأسد عريضة احتجاج، احتج البعوض اليافع على ذلك وقالوا: بل بوسعنا أن نفعل ما يوقفه عند حده ولا يكرر فعلته.
وصل أمر ذلك الاجتماع الى عسس الأسد، فنقلوه له، لكنه رد مقهقها: ماذا بوسعهم أن يفعلوا ؟..وأين قوتهم من قوتي!؟.
نصحه مستشاروه بأن لا يهمل هذا الأمر، لأن صاحب الحق مهما كان ضعيفا إلا أنه والحق اثنان، لكن الأسد ركبه الغرور فرفض أن يعتذر، وقال: أعلى ما في خيلهم فليركبوه.
منذ اليوم التالي تسللت مجموعة صغيرة من البعوض الى حيث يرقد الأسد في قيلولته، وقامت بلسعه في أماكن حساسة من جسمه، ولم يمض يوم إلا وقد احمرت جفونه وتورم أنفه، فتضايق كثيرا وقام بعدة هجمات على مواقع تجمع البعوض، صحيح أنه أوقع بها خسائر كبيرة، لكن ذلك لم يوقف الهجمات عليه، ولم يتمكن من النوم المريح في الأيام التالية إلا قليلا.
جمع مستشاريه وطلب إليهم أن يعدوا له خطة هجومية تأديبية رادعة، لكنهم أجابوه بأن كل لك لن ينفع، والأفضل ان يلجأ الى ما ظل يرفضه بعنجهية وهو المصالحة.
رضخ أخيرا لرأيهم وأرسل الوسطاء لأجل ذلك، عندها قال له المستشارون: الآن تصرفت بحكمة، فهذا هو الحل الوحيد.
الخبر: ذكرت الأنباء أن “ترامب” أعلن عن التوصل الى اتفاق هدنة وعدم اعتداء مع اليمنيين، لوقف مهاجمة السفن الأمريكية، مقابل وقف الهجمات الأمريكية – البريطانية على اليمن، وان ذلك تم بوساطة عمانية.
لم يفلح بالتغطية على حقيقة أنه هو من سعى لذلك الاتفاق، فلم يصدق أحد قوله أن ذلك جاء بناء على طلب من الحوثيين، فقد أصبح واضحا أن من أهم أدوار الأقطار الخليجية، هي الهرولة لتنفيذ طلبات الغرب عند الحاجة، وهي تدخرها دائما للتدخل بالتوسط لدى من تكون قد أشعلت معهم أزمة، ولا تتقبل عنجهيتها أن تتنازل لتتفاوض لإنهاء تلك الأزمة بعد فشلها بتنفيذ مأربها باستعمال البلطجة، وقد حدث ذلك مرارا مثل التفاوض مع طالبان، ومع إيران، ومع المقاومة الإسلامية في القطاع، وأخيرا في هذه المرة مع أنصار الله في اليمن.
منذ القدم، ظلت اليمن عصية على الطامعين، وفي المرات القليلة التي خضعت للغزاة الفرس أو الأحباش، كانت بسبب صراعات داخلية بين زعاماتها، لكن سرعان ما تطرد المحتلين عندما تتوحد.
بسبب طبيعة أراضي اليمن الجبلية، كان من الصعب لقيادة أن تسيطر على كافة أراضيها، فالتضاريس تمنح سكان المنطقة إمكانيات دفاعية من الصعب لقوة مهاجمة تجاوزها، لذلك كان النظام الاجتماعي قبليا، وكل منطقة تسيطر عليها زعامة قبلية، ولذلك فشل عبد الناصر في حربه لدعم السلاّل، وإن نجحت ثورته باستقطاب المؤيدين الشباب، كون نسبة المثقفين بينهم عالية، رغم أن النظام السابق كان يرتكز على الإمامة ذات الجذور الدينية، لكن والى اليوم، لم يستتب الأمر لقوة جامعة يجمع عليها كل اليمنيين رغم الميول الوحدوية والقومية العارمة لديهم.
تعلم المستعمرون الأوروبيون درسا قاسيا في محاولتهم إخضاع السواحل الجنوبية والشرقية للجزيرة العربية لسيطرتهم بعد احتلالهم للهند وجنوب شرقي آسيا، وقد كانوا بحاجة ماسة لذلك لحماية خطوطهم التجارية معها، لذلك اضطروا للاكتفاء باحتلال منطقة عدن، وعقد معاهدات تصالحية مع باقي المناطق، وبذلوا جهودا كبيرة في اجتباء زعماء القبائل فيه، وأقطعوهم مقاطعات قسموها لشرذمتها، فنشأت ما سميت بالإمارات المتصالحة، ثم أطلق عليها الإمارات المتحدة.
عندما هب اليمنيون لنصرة المقاومة الفلسطينية كان ذلك فعلا نشازا وسط أنظمة عربية خانعة، لذلك لم يكن مستغربا من تلك الأنظمة تآمرا مع أمريكا لقمع هذه المبادرة.
الدرس: من كان مع الحق ولديه الإرادة ينصره الله ويرفع من قدره مهما استقوى عليه الطواغيت، لذلك رأينا ذلك المتعجرف ينزل من عليائه الذي اصطنعه غرور القوة، ويتهلل وجهه فرحا وهو يزف للغرب بشرى التفاهم على الهدنة مع اليمنيين.